«ركبك» ، وعلى «كلا» قبيح ، والمعنى : بل تكذبون يا أهل مكة بالدين ، أي : بالحساب ، وبل لنفي شيء تقدّم وتحقيق غيره ، وإنكار البعث قد كان معلوما عندهم وإن لم يجر له ذكر. قال الفراء : كلا ليس الأمر كما غررت به. قرأ الجمهور : «تكذبون» بالفوقية على الخطاب. وقرأ الحسن وأبو جعفر وشيبة بالتحتية على الغيبة ، وجملة (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) في محل نصب على الحال من فاعل تكذبون ، أي : تكذبون ، والحال أن عليكم من يدفع تكذيبكم ، ويجوز أن تكون مستأنفة مسوقة لبيان ما يبطل تكذيبهم ، والحافظين الرقباء من الملائكة الذين يحفظون على العباد أعمالهم ويكتبونها في الصحف. ووصفهم سبحانه بأنهم كرام لديه يكتبون ما يأمرهم به من أعمال العباد ، وجملة (يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) في محل نصب على الحال من ضمير كاتبين ، أو على النعت ، أو مستأنفة. قال الرازي : والمعنى التعجيب من حالهم ، كأنه قال : إنكم تكذبون بيوم الدين ، وملائكة الله موكّلون بكم يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة ، ونظيره قوله تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ـ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (١). ثم بيّن سبحانه حال الفريقين فقال : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ ـ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) والجملة مستأنفة لتقرير هذا المعنى الّذي سيقت له ، وهي كقوله سبحانه : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (٢) وقوله : (يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ) صفة لجحيم ؛ ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من الضمير في متعلق الجارّ والمجرور ، أو مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : ما حالهم؟ فقيل (يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ) أي يوم الجزاء الّذي كانوا يكذبون به ، ومعنى يصلونها : أنهم يلزمونها مقاسين لوهجها وحرّها يومئذ. قرأ الجمهور : «يصلونها» مخففا مبنيا للفاعل ، وقرئ بالتشديد مبنيا للمفعول (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) أي : لا يفارقونها أبدا ولا يغيبون عنها ، بل هم فيها ، وقيل المعنى : وما كانوا غائبين عنها قبل ذلك بالكلية بل كانوا يجدون حرّها في قبورهم. ثم عظّم سبحانه ذلك اليوم فقال : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) أي : يوم الجزاء والحساب ، وكرّره تعظيما لقدره وتفخيما لشأنه ، وتهويلا لأمره كما في قوله : (الْقارِعَةُ ـ مَا الْقارِعَةُ ـ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) (٣) و (الْحَاقَّةُ ـ مَا الْحَاقَّةُ ـ وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) (٤) والمعنى : أيّ شيء جعلك داريا ما يوم الدين. قال الكلبي : الخطاب للإنسان الكافر. ثم أخبر سبحانه عن اليوم فقال : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع «يوم» على أنه بدل من يوم الدين ، أو خبر مبتدأ محذوف. وقرأ أبو عمرو في رواية : «يوم» بالتنوين ، والقطع عن الإضافة. وقرأ الباقون بفتحه على أنها فتحة إعراب بتقدير أعني أو اذكر ، فيكون مفعولا به ، أو على أنها فتحة بناء لإضافته إلى الجملة على رأي الكوفيين ، وهو في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو على أنه بدل من يوم الدين. قال الزجاج : يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه مبني على الفتح لإضافته إلى قوله : (لا تَمْلِكُ) وما أضيف إلى غير المتمكن فقد يبنى على الفتح ، وإن كان في موضع رفع ، وهذا الّذي ذكره إنما تجوز عند الخليل وسيبويه إذا
__________________
(١). ق : ١٧ ـ ١٨.
(٢). الشورى : ١٧.
(٣). القارعة : ١ ـ ٣.
(٤). الحاقة : ١ ـ ٣.