الأرض ، ثم يرجعه إلى الأرض ، وقيل : سمّته العرب رجعا لأجل التفاؤل ليرجع عليهم ، وقيل : لأن الله يرجعه وقتا بعد وقت (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) هو ما تتصدع عنه الأرض من النبات والثمار والشجر ، والصدع : الشقّ ؛ لأنه يصدع الأرض فتنصدع له. قال أبو عبيدة والفرّاء : تتصدّع بالنبات. قال مجاهد : والأرض ذات الطّرق التي تصدعها المياه ، وقيل : ذات الحرث لأنه يصدعها ، وقيل : ذات الأموات لانصداعها عنهم عند البعث.
والحاصل أن الصدع إن كان اسما للنبات فكأنه قال : والأرض ذات النبات ؛ وإن كان المراد به الشق فكأنه قال : والأرض ذات الشق الّذي يخرج منه النبات ونحوه ، وجواب القسم قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) أي : إن القرآن لقول يفصل بين الحق والباطل بالبيان عن كل واحد منهما (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) أي : لم ينزل باللعب ، فهو جدّ ليس بالهزل ، والهزل ضد الجدّ. قال الكميت :
يجدّ بنا في كلّ يوم ونهزل (١)
(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) أي : يمكرون في إبطال ما جاء به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الدّين الحقّ. قال الزّجّاج : يخاتلون النبيّ صلىاللهعليهوسلم ويظهرون ما هم على خلافه (وَأَكِيدُ كَيْداً) أي : أستدرجهم من حيث لا يعلمون ، وأجازيهم جزاء كيدهم ، قيل : هو ما أوقع الله بهم يوم بدر من القتل والأسر (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) أي : أخّرهم ، ولا تسأل الله سبحانه تعجيل هلاكهم ، وارض بما يدبّره لك في أمورهم ، وقوله : (أَمْهِلْهُمْ) بدل من مهّل. ومهّل وأمهل بمعنى ، مثل : نزّل وأنزل ، والإمهال : الإنظار ، وتمهّل في الأمر اتّأد ، وانتصاب (رُوَيْداً) على أنه مصدر مؤكد للفعل المذكور أو نعت لمصدر محذوف ، أي : أمهلهم إمهالا رويدا ، أي : قريبا أو قليلا. قال أبو عبيدة : والرّويد في كلام العرب تصغير الرّود ، وأنشد :
كأنّها ثمل يمشي على رود (٢)
أي : على مهل ، وقيل : تصغير إرواد مصدر أرود تصغير الترخيم ، ويأتي اسم فعل نحو : رويد زيدا ، أي : أمهله ، ويأتي حالا نحو سار القوم رويدا ، أي : متمهلين ، ذكر معنى هذا الجوهري ، والبحث مستوفى في علم النحو.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) قال : أقسم ربك بالطارق ، وكل شيء طرقك بالليل فهو طارق. وأخرج ابن جرير عنه في قوله : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) قال : كل نفس عليها حفظة من الملائكة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، عن ابن عباس في قوله : (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) قال : النّجم المضيء (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها
__________________
(١). وصدر البيت : أرانا على حب الحياة وطولها.
(٢). وصدر البيت : تكاد لا تثلم البطحاء وطأتها.