الجمع بين الضميرين في فعلها لشيء واحد لأن ذلك من خواص باب علم ، ونحوه. قال الفراء : لم يقل رأى نفسه ، كما قيل : قتل نفسه ؛ لأن رأى من الأفعال التي تريد اسما وخبرا نحو الظنّ والحسبان ؛ فلا يقتصر فيه على مفعول واحد ، والعرب تطرح النفس من هذا الجنس تقول : رأيتني وحسبتني ، ومتى تراك خارجا ، ومتى تظنك خارجا ، قيل : والمراد هنا أنه استغنى بالعشيرة والأنصار والأموال. قرأ الجمهور : «أن رآه» بمد الهمزة. وقرأ قنبل عن ابن كثير بقصرها. قال مقاتل : كان أبو جهل إذا أصاب مالا زاد في ثيابه ومركبه وطعامه وشرابه ؛ فذلك طغيانه ، وكذا قال الكلبي. ثم هدّد سبحانه وخوّف ، فقال : (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) أي : المرجع ، والرجعى والمرجع والرجوع : مصادر ، يقال : رجع إليه مرجعا ورجوعا ورجعي ، وتقدّم الجار والمجرور للقصر ، أي : الرجعى إليه سبحانه لا إلى غيره (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى ـ عَبْداً إِذا صَلَّى) قال المفسرون : الّذي ينهى أبو جهل ، والمراد بالعبد محمد صلىاللهعليهوسلم ، وفيه تقبيح لصنعه وتشنيع لفعله ؛ حتى كأنه بحيث يراه كلّ من تتأتى منه الرؤية (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى) يعني العبد المنهيّ إذا صلّى ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم (أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى) أي : بالإخلاص والتوحيد والعمل الصالح الّذي تتّقى به النار (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) يعني أبا جهل ، كذّب بما جاء به رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتولّى عن الإيمان ، وقوله : (أَرَأَيْتَ) في الثلاثة المواضع بمعنى : أخبرني ؛ لأن الرؤية لما كانت سببا للإخبار عن المرئي أجري الاستفهام عنها مجرى الاستفهام عن متعلّقها ، والخطاب لكل من يصلح له. وقد ذكر هنا أرأيت ثلاث مرات ، وصرح بعد الثالثة منها بجملة استفهامية فتكون في موضع المفعول الثاني لها ، ومفعولها الأوّل محذوف ، وهو ضمير يعود على الّذي ينهي الواقع مفعولا أوّل لأرأيت الأولى ، ومفعول أرأيت الأولى الثاني محذوف ، وهو جملة استفهامية كالجملة الواقعة بعد أرأيت الثانية ، وأما أرأيت الثانية فلم يذكر لها مفعول لا أوّل ولا ثان ، حذف الأوّل لدلالة مفعول أرأيت الثالثة عليه فقد حذف الثاني من الأولى ، والأول من الثالثة ، والاثنان من الثانية ، وليس طلب كل من رأيت للجملة الاستفهامية على سبيل التنازع لأنه يستدعي إضمارا ، والجمل لا تضمر ، إنما تضمر المفردات ، وإنما ذلك من باب الحذف للدلالة ، وأما جواب الشرط المذكورة مع أرأيت في الموضعين الآخرين. فهو محذوف تقديره : إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني ، ومعنى (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) أي : يطلع على أحواله ، فيجازيه بها ، فكيف اجترأ على ما اجترأ عليه؟ والاستفهام للتقريع والتوبيخ ، وقيل : أرأيت الأولى مفعولها الأوّل الموصول ، ومفعولها الثاني الشرطية الأولى بجوابها المحذوف المدلول عليه بالمذكور ، وأ رأيت في الموضعين تكرير للتأكيد ، وقيل : كل واحدة من أرأيت بدل من الأولى ، و (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) الخبر. قوله : (كَلَّا) ردع للناهي ، واللام في قوله : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) هي الموطئة للقسم ، أي ، والله لئن لم ينته عما هو عليه ولم ينزجر (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) السفع : الجذب الشديد ، والمعنى : لنأخذنّ بناصيته ولنجرّنه إلى النار ، وهذا كقوله : (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) (١) ويقال : سفعت الشيء ؛ إذا قبضته وجذبته ،
__________________
(١). الرّحمن : ٤١.