تراجعكما الكلام إن الله يسمع كل مسموع ويبصر كل مبصر أو سميع لقولهما بصير بعملهما. وقيل : قد قبل الله دعاءها ففرج عنها كربها ووضع حدا لعادة المظاهرة.
** سبب نزول الآية : روي أن خولة بنت ثعلبة .. ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت فاستفتت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : حرمت عليه. فقالت : ما طلقني. فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ :
حرمت عليه. فاغتمت ـ أي فحزنت لصغر أولادها وشكت إلى الله تعالى فما برحت تحاور الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حتى نزل جبريل ـ عليهالسلام ـ بهذه الآية الكريمة والآيات الثلاث التاليات وفيها استجاب الله دعاءها فحرم الإسلام هذه العادة القبيحة ـ عادة الظهار ـ التي كانت متبعة في الجاهلية .. كان من عادتهم أنه إذا غضب أحد من زوجته قال لها : أنت علي كظهر أمي فتحرم عليه لأن «الظهار» كان عندهم طلاقا باتا. قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات .. لقد كانت المجادلة تكلم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في جانب البيت وأنا عنده لا أسمع وقد سمع لها. وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ كان إذا دخلت عليه أكرمها وقال لقد سمع الله لها. وقيل : لقد سمح رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بمحاورته لأنه كان يتوقع أن يسمعها الله سبحانه فنزلت هذه الآيات التي تنبذ هذه العادة القبيحة لأن الإسلام وهو دين حنيف قد أخرجهم من ظلمات الجهل والكفر إلى نور الهداية والإيمان.
يروى أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ خرج يوما من المسجد ومعه الجارود العبدي فبينما هما خارجان إذ امرأة على ظهر الطريق فسلم عليها عمر فردت عليهالسلام ثم قالت : رويدك يا عمر حتى أكلمك كلمات قليلة قال لها : قولي. قالت : يا عمر عهدي بك وأنت تسمى عميرا في سوق عكاظ تصارع الفتيان فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين فاتق الله في الرعية واعلم أنه من خاف الموت خشي الفوت : فقال الجارود : هيه! لقد اجترأت على أمير المؤمنين فقال عمر : دعها أما تعرف هذه يا جارود؟ هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من فوق سمائه فعمر والله أحرى أن يسمعها. يريد بذلك قوله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ) صدق الله العظيم و «التحاور» في الآية الكريمة المذكورة هو التجاوب والمحاورة هي المجاوبة .. يقال حاورته : أي راجعته الكلام تحاورا .. وأحار الرجل الجواب : أي رده وما أحاره : بمعنى : ما رده .. ومنه الحوار ـ بكسر الحاء وليس بضمها : هو المحاورة والتحاور : أي المجاوبة والتجاوب والمراجعة في الكلام. أما «الحوار» بضم الحاء فهو ولد الناقة .. ولا يزال حوارا حتى يفصل فإذا فصل عن أمه فهو فصيل ومنه : طحنت الطاحنة فما أحارت شيئا : أي ما ردت شيئا من الدقيق .. أما «الحائر» أي المتحير فهو اسم فاعل للفعل «حار ـ يحور ـ حورا ..» من باب «قال» بمعنى : تحير .. ويقال : فلان أسقط في يده : بمعنى : لم يرد جوابا أي لم يحر جوابا.
** (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثانية .. أي ما أمهاتهم في الحقيقة وفي الواقع نساؤهم وإنما هن اللاتي ولدنهم وفي هذا الرد الكريم تقريع للمظاهرين بمعنى : هن الوالدات الحقيقيات وغيرهن ملحقات بهن لدخولهن في حكمهن فالمرضعات مثلا أمهات لأنهن لما أرضعن دخلن بالرضاع في حكم الأمهات وكذلك أزواج الرسول الكريم ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أمهات المؤمنين لأن الله تعالى حرم زواجهن على الأمة فدخلن في حكم الأمهات ومنه قيل : إن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أم المؤمنين.