ثم عاد إليه : رجع إلى حافرته : أي إلى طريقته أو حالته الأولى .. والحافرة : اسم فاعلة واسم الفاعل هو حافر يقال : حفر الفلاح الأرض يحفرها ـ حفرا .. من باب «ضرب» ومثله : احتفرها. والاسم منه : الحفرة. وقيل المعنى في الآية الكريمة أمعادون في أول أمرنا؟!
** (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة عشرة .. المعنى لا تستغربوا ولا تستصعبوها أي لا تحسبوا تلك الكرة ـ الرجعة ـ صعبة على الله ـ جلت قدرته ـ فإنها سهلة في قدرته ما هي إلا صيحة واحدة أي النفخة الأولى أو النفخة الثانية التي يطلقها إسرافيل في الصور ـ البوق ـ فيبعث الناس جميعا من قبورهم وتأتي «الزجرة» بمعنى «النفخة» أو «الصيحة» يقال : في ذلك اليوم المهول ينفخ إسرافيل في الصور وينادي : أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. وقيل : إن إسرافيل ينفخ وجبريل ينادي بالحشر من مكان قريب من صخرة بيت المقدس وهي أقرب الأرض من السماء وهي وسط الأرض .. وقيل : من تحت أقدامهم تأتي الصيحة. ورد في الحديث : أنه قال عليه الصلاة والسلام للعباس بن عبد المطلب لما انهزم الناس يوم حنين : «اصرخ بالناس» وكان العباس أجهر الناس صوتا. يروى أن غارة أتتهم يوما فصاح العباس : يا صباحاه فأسقطت الحوامل لشدة صوته. وزعمت الرواة أنه كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه.
** (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة عشرة .. وجاءت لفظة «طوى» بدلا من «الوادي» لأنها اسم الوادي وقد نونت هذه اللفظة لأنها اسم مكان وهي نكرة. وقيل : إن المقدس طوى : معناه : طوي مرتين بمعنى : قدس مرتين أي ثنيت فيه البركة والتقديس مرتين .. هذا ما ذكره الحسن وقاله وورد أيضا في مختار الصحاح. وقال «التفسير الوجيز» هو واد بأسفل جبل طور سيناء.
** (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى .. فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى .. وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) : هذا القول الكريم ورد في الآيات الكريمة السابعة عشرة .. الثامنة عشرة .. والتاسعة عشرة .. وهو أمر الله تعالى إلى موسى الذي أمره أن يذهب إلى فرعون ـ طاغية مصر ـ ويقول له : هل لك ميل إلى أن تتطهر من الشرك وأرشدك إلى معرفة بربك لتؤمن به سبحانه فتخافه وتتقيه .. بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض كما يقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل بنا .. وأردفه الكلام الرقيق .. أي اللطيف ليستدعيه بالتلطف في القول ويستتر له بالمداراة من عتوه ـ أي من جبروته واستكباره ـ كما أمر بذلك سبحانه في قوله في سورة «طه» : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) وقيل : من خشي الله ـ أي من خافه واتقاه ـ أتى منه كل خير ومن أمن ـ أي اطمأن ـ اجترأ أي أقدم ـ على كل شر ..
** (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية والعشرين .. المعنى : لما رأى فرعون معجزة موسى الكبرى وهي قلب العصا حية أدبر مرعوبا يسعى .. أو ولى هاربا مذعورا .. ويسعى : بمعنى : يسرع في مشيته. قال الحسن : كان رجلا طياشا خفيفا. أو تكون الآية الكريمة بمعنى : تولى عن موسى يسعى ويجتهد في مكايدته وفي إبطال أمر موسى ورسالته ويسعى في الأرض بالفساد أو أريد ثم أقبل يسعى .. كما تقول : أقبل فلان يفعل كذا : بمعنى : أنشأ يفعل فوضع «أدبر» موضع «أقبل» لئلا يوصف بالإقبال إلا أن الوجه الأول من التفسير حسن ولطيف.