رابعها : ما نبّه عليه بعض (١) الأعلام في هذا المقام. وهو أنّ أحكام الله سبحانه إنّما تجري على الحقائق الكلّية والمقامات النوعيّة دون خصائص الأفراد والآحاد ، فحيثما خوطب قوم بخطاب أو نسب إليهم فعل دخل في ذلك الخطاب وذلك الفعل عند العلماء وأولى الألباب كلّ من كان من سنخ أولئك القوم وطينتهم ، فصفوة الله تعالى حيثما خوطبوا بمكرمة أو نسبوا إلى أنفسهم مكرمة يشمل ذلك كلّ من كان من سنخهم وطينتهم من الأنبياء والأولياء ، وكلّ من كان من المقرّبين إلّا مكرمة خصّوا بها دون غيرهم ، وكذلك إذا خوطبت شيعتهم بخير أو نسب إليهم خير أو خوطب أعدائهم بسوء ، ونسب إليهم سوء يدخل في الأوّل كلّ من كان من سنخ شيعتهم وطينة محبّيهم ، وفي الثاني كلّ من كان من سنخ أعدائهم وطينة مبغضيهم من الأوّلين والآخرين ، وذلك لأنّ كلّ من أحبّه الله ورسوله أحبّه كلّ مؤمن من ابتداء الخلق إلى انتهائه ، وكلّ من أبغضه الله ورسوله أبغضه كلّ مؤمن ، كذلك هو يبغض كلّ من أحبّه الله تعالى ورسوله ، فكلّ مؤمن في العالم قديما أو حديثا إلى يوم القيامة فهو من شيعتهم ومحبّيهم ، وكلّ جاحد في العالم قديما أو حديثا الى يوم القيامة فهو من مخالفيهم ومبغضيهم.
وقد وردت الإشارة الى ذلك في كلام الصادق عليهالسلام في حديث المفضّل بن عمر ، وهو الّذى رواه الصدوق طاب ثراه في كتاب «علل الشرائع» باسناده الى المفضّل بن عمر قال : قلت لأبى عبد الله عليهالسلام : بما صار عليّ أبى طالب عليهالسلام قسيم الجنّة والنّار؟ قال : لأنّ حبّه إيمان وبغضه كفر ، وإنّما خلقت الجنّة لأهل الإيمان
__________________
(١) هو الشيخ الأجلّ العالم الربّانى والفاضل الصمداني محمد محسن الفيض الكاشاني المتوفّى سنة (١٠٩١ ه) ومرقده معروف في كاشان موئل للزائرين والعاكفين وما نبّه عليه في «تفسير الصافي» المقدمة الثالثة.