حتى ظهر أمر الله وهم كارهون.
ثمّ إنّ معاوية مرّ بحلقة من قريش فلمّا رأوه قاموا غير عبد الله ابن عبّاس ، فقال له : يا بن عبّاس ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلّا لموجدة أنّي قاتلتكم بصفّين فلا تجد من ذلك يا ابن عبّاس فإنّ ابن عمّى عثمان قتل مظلوما ، قال ابن عبّاس : فعمر بن الخطّاب قد قتل مظلوما ، قال : إنّ عمر قتله كافر ، قال ابن عبّاس : فمن قتل عثمان؟ قال : قتله المسلمون ، قال : فذلك أدحض لحجّتك.
قال : فإنّا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب عليّ وأهل بيته فكفّ لسانك ، فقال : يا معاوية أتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال : لا ، قال : أفتنهانا عن تأويله؟ قال : نعم ، قال : فنقرأ ولا نسأل عمّا عنى الله به ، ثمّ قال : فأيّهما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟ قال : العمل به ، قال : كيف العمل به ولا نعلم ما عنى الله؟ قال : سل عن ذلك من يتأوّله على غير ما تتأوّله أنت وأهل بيتك ، قال : إنّما أنزل القرآن على أهل بيتي أسأل عنه آل أبي سفيان؟ يا معاوية أتنهانا أن نعبد الله تعالى بالقرآن بما فيه من حلال وحرام فإن لم تسأل الامّة عن ذلك حتى تعلم تهلك وتختلف ، قال : اقرءوا القرآن وتأوّلوه ولا ترووا شيئا ممّا أنزل الله فيكم وارووا ما سوى ذلك ، قال : فإنّ الله تعالى يقول في القرآن : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (١) قال : يا ابن عبّاس اربع (٢) على نفسك وكفّ لسانك ، وإن كنت لا بدّ فاعلا فليكن ذلك سرّا لا يسمعه أحد علانية ، ثمّ رجع إلى بيته ، فبعث إليه بمائة ألف درهم ، ونادى منادي معاوية : أن برئت الذمّة ممّن يروى حديثا من مناقب عليّ وفضل أهل
__________________
(١) التوبة : ٣٢.
(٢) اربع عليك أو على نفسك أو على ضلعك : اى توقّف.