تتلى على المصاقع الخطباء في كلّ صباح ومساء.
وكيف كان فالحقّ أنّ إعجاز القرآن ليس من جهة واحدة بل هو من جهات كثيرة وإن اختصّ ادراك بعضها بالبعض :
منها : ما سمعت من الفصاحة العجيبة والبلاغة الغريبة الّتى أذعن لها جميع فصحاء العرب وبلغاء محافل الأدب مع كمال حرصهم واجتهادهم على معارضته ومناقضته ، حتى انّهم قد أفحموا عند سماع قوله تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) ، وأبكموا من نداء (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) ، بل كانوا عموا عن ذلك وصمّوا وإن بذلوا جهدهم في ذلك وهمّوا.
وتوهّم أنّه لعلّهم قد عارضوه بما لم يصل إلينا ، مدفوع بأنّه لو كان لبان ، سيّما مع توفّر الدّواعى واجتماع الهمم على نقل الأمور العجيبة والشّئون الغريبة خصوصا في مثل هذا الأمر الذي جمعوا فيه متفرّقات ما صدر عنهم في مقام المعارضة حسبما سمعت سابقا ، ولا يخفى عليك توفّر الدواعي على نقل القصائد والخطب والاشعار والأمثال الفصيحة من الجاهليّة والإسلام وقد لفّق مسيلمة الكذّاب جملة من المزخرفات والاضحوكات قد بقيت حكايتها إلى الآن كقوله : والزارعات زرعا ، فالطاحنات طحنا ، والعاجنات عجنا ، والطابخات طبخا ، وقوله الآخر : الفيل ، ما الفيل ، وما أدريك ما الفيل ، له ذنب وثيل وخرطوم طويل.
فإن قلت : لعلّهم قد عارضوه بما قد ذهب من البين بعد ظهر شوكة الإسلام ، وتبدّل المعارضة بالكلام بالمجادلة بالسيوف والسّهام.
قلت : بعد تسليم ذهابه من بين المسلمين فلا ريب في توفّر الدواعي على بقائه بين الكفّار من أهل الكتاب وغيرهم ، سيّما اليهود الّذين هم أشدّ الناس