ضرورة ، لأنّا نعلم بالضرورة أنّ من كان له قدرة أو قدرة على شيء ثمّ سلبا عنه يجد ذلك من نفسه ، ولو وجد وأسلب القدرة والعلم من أنفسهم لتحدّثوا به في مجالسهم ، ولو تحدّثوا به لاشتهر وذاع ، وتواتر وشاع ، لأنّه من الأمور العجيبة الّتى تتوفّر الدواعي على نقلها وكلّ هذه المقدّمات ضروريّة ، ولمّا لم يقع شيء من ذلك فكان القول بالصرفة باطلا.
ثانيها : أنّه لو كان الإعجاز بسبب الصرفة لوجب أن يكون القرآن في غاية الركاكة ، واللازم باطل فالملزوم مثله ، بيان الملازمة أنّ منعهم عن معارضته على تقدير ركاكته أبلغ في الإعجاز ممّا لو كان بالغا في الفصاحة وهو ضروري ، وأمّا بطلان اللازم فظاهر فيبطل الملزوم وهو المطلوب.
ثالثها أن حصول الصّرفة على فرضه إنّما هو بعد النبوة وتحقّق التحدّى ، وأما قبله فلا صارف لهم عن الإتيان بمثله ، والعادة تقضى بصدور مثله عنهم قبل ذلك ، فلو كان الوجه هو الصرفة لكان لهم أن يعارضوه بعد التحدّى بما صدر عنهم قبله.
أقول : ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّه لعلّهم كانوا يجدون ذلك من أنفسهم ويؤيّده أنّ من كان بصدد المعارضة مثل ابن أبي العوجاء ، وغيره كانوا يزعمون أوّلا قدرتهم على ذلك ، ثم ظهر لهم عجزهم ، أو تنصرف عن ذلك هممهم ، ولهذا هو الصرفة عندهم على ما سمعت ، ولعلّهم يريدون بها الصرفة الدائمة على أحد الوجوه لا على وجه التبدّل وحينئذ فتبطل الملازمة.
وعن الثاني بالمنع عن الاستلزام لمطلوبيّة الفصاحة نفسها ، مع انّ الركاكة في نفسها مانعة ، والإعجاز يجب أن يكون على الوجه الأبلغ ، سلّمنا لكنّ الأبلغ هو الاشتمال على وجوه الإعجاز.