وعن الثالث بأنّ القائل بالصرفة لعلّه يلتزم بالمنع عن صدور مثله عنهم قبله أيضا لذلك أو عن المعارضة به على فرض الصدور ، هذا.
لكنّه لا يخفى عليك أنّ القول بالصرفة بمكان من القصور لما مرّ ويأتى من الوجوه الّتى فيها الإعجاز من جهات شتّى.
ومنها اشتماله على العلوم الحقيقيّة والمعارف الإلهيّة وأصول الحقائق وكشف الأسرار والدقائق بألفاظ فائقة رائعة مهذبّة مختصرة في غاية الإيجاز ، ونهاية الاختصار ، بل لا يخفى على من له خوض في العلوم العالية والحكمة المتعالية أنّ المقاصد الّتى أفنت الحكماء الفلاسفة الّذين هم قدوة أرباب العقول أعمارهم فيها ، ولم يصلوا بعد الرياضات الشديدة والمشاقّ الكثيرة إليها ربما أشرقت لوامع أنوارها من أفق بعض الآيات أو الكلمات على أفئدة بعض أرباب القلوب ، بل ربما ينفتح بالتأمّل في كثير من الآيات أبواب العلم بالغيوب ، بل لعلّك ترى كثيرا من المسائل الّتى صنّفوا فيها الكتب والرّسائل ، وأكثروا فيها من ذكر الوجوه والدلائل ربّما يمرّ عليك بأوضح تعبير وأيسر بيان في بعض آيات القرآن ، بل ليس بشيء من الحقائق والأسرار إلّا ولها أصل في كتاب الله ساطع الأنوار ، وإن احتجبت بعض القلوب بغشاوة الأستار وظلمة الأكدار ، مع كونه صلىاللهعليهوآله قد نشأ في بلد لم يكن فيه عالم ولا حكيم ، ولم يعهد من حاله أنه تلمذ على أحد أو سافر في صقع من الأصقاع لذلك.
ومنها اشتماله على قصص الأنبياء السالفين وأحوال المتمّردة الماضين وجزئيّات أحوالهم وأقوالهم وما جرى عليهم مع عدم قراءته صلىاللهعليهوآله لشيء من كتبهم ، ولا ملاقاته لأحد من علمائهم ، حتّى أنّ علماء اليهود وأحبار النصارى لم يقدروا على الإنكار عليه في شيء ممّا أخبر به عن الماضين ، مع غاية حرصهم على ذلك واجتهادهم فيه ، ولذا قيل :