وأحرقها من خشية الفتنة عند الاختلاف ، وحملهم على القراءة بوجه واحد ، وأمر بإرسال المصاحف الى أقطار الأرض ، وإن كان المشهور بين الناس أنّ عثمان هو جامع القرآن مطلقا ، وليس الأمر كذلك ، بل الجامع الأوّل للسور المرتبّة الباقية إلى يومنا هذا هو أبو بكر ، وكان جمعه أوّلا على سبعة لغات ، لأنّه كان نزل على لغات قبائل شتّى من أهل الحجاز تأليفا لقلوب جميعهم حكمة بالغة منه سبحانه ، فكانت كل قبيلة تتداول لغتها ، وترجّحها على غيرها ، فجرى الاختلاف بذلك ، فاندفع بجمع عثمان ، وأمّا ترتيب القراءة على لغة خاصّة فهو لعثمان ، ولهذا ينسب إليه الرّسم ، فيقال : هذا رسم عثمانى ، إلى آخر ما ذكره.
ومنها ما يتوهّم أنّ المراد بها القراآت السبع المشتهرة في الأزمنة المتأخّرة ، وهو توهّم فاسد نبّه على فساده كثير من الخاصّة والعامّة ، حسبما تسمع اليه الإشارة ، بل صرّحوا بأنّ القراآت المتداولة بينهم في الأعصار المتقدّمة كانت أزيد من عشرين ، وقد صنّفوا فيها الكتب والتصانيف ، وأنّ أوّل من اقتصر على السبعة هو ابن مجاهد (١) ، وقد اعترضوا عليه في اختيار العدد والمعدود ، بل حكى الإجماع عنهم فضلا عن غيرهم على فساد هذا التوهّم (٢).
ومنها غير ذلك من الأقوال (٣) الكثيرة عنهم على نحو أربعين قولا ، بل ربّما
__________________
(١) هو أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد ، شيخ القراء أبو بكر البغدادي فاق في عصره سائر نظائره من أهل صناعته ـ توفي سنة (٣٢٤ ه) وسيجيئ ذكره إنشاء الله تعالى ـ معرفة القرّاء للذهبى ج ١ ص ٤٦٩.
(٢) قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي المتوفّى (٦٦٥ ه) :
ظنّ قوم أنّ القراآت السبع الموجودة الآن هي الّتى أريدت في الحديث ، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة ، وإنّما يظنّ ذلك بعض أهل الجهل. ـ الإتقان للسيوطي ج ١ ص ١٣٨.
(٣) منها : أنّ المراد التوسعة على القارى ولم يقصد به الحصر. بل المقصود الكثرة في الآحاد كما يراد من