واحتجّ صاحب هذا الجواب بحديث عبد الرحمن (١) بن السائب قال : أتيت سعدا ـ وقد كفّ بصره ـ فسلّمت عليه ، فقال : من أنت؟ فأخبرته ، فقال : مرحبا بابن أخي ، بلغني أنّك حسن الصوت بالقرآن ، وقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : إنّ هذا القرآن نزل بحزن ، فإذا قرأتموه فابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ، فمن لم يتغن بالقرآن فليس منّا» ... الى أن قال السيّد :
وقد ذكر محمّد بن القاسم (٢) الأنبارى وجها ثالثا في الخبر ، قال : أراد عليهالسلام : من لم يتلذّذ بالقرآن ولم يستحله ، ولم يستعذب تلاوته كاستحلاء أصحاب الطرب للغناء والتذاذهم به.
ثمّ قال السيّد : وجواب أبي عبيد أحسن الأجوبة وأسلمها ، وجواب أبى بكر أبعدها ... إلى أن قال : ويمكن أن يكون في الخبر وجه رابع خطر لنا ، وهو أن يكون قوله عليهالسلام : «من لم يتغنّ» من غنى الرجل بالمكان إذا طال مقامه به ، ومنه قيل : المغنى والمغانى ، قال الله تعالى : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) (٣) أى لم يقيموا بها ... إلى أن قال : فيكون معنى الخبر على هذا الوجه : من لم يقم على القرآن فيتجاوزه ويتعدّاه الى غيره ولم يتخذه مغنى ومنزلا ومقاما فليس منّا (٤).
أقول : وهذه الوجوه أكثرها تكلّفات مستغنى منها بعد ما سمعت من ضعف الخبر ، وعاميّته ، ومخالفته ، على فرض ظهوره فيما استدلّوا له به ، للكتاب
__________________
(١) هو عبد الرحمن بن السائب بن أبى السائب صيفي بن عابد القرشي المخزومي ، قتل يوم الجمل.
(٢) هو محمّد بن القاسم بن محمّد بن بشّار أبو بكر الأنبارى الأديب اللّغوى ولد في الأنبار سنة (٢٧١) وتوفّي ببغداد سنة (٣٢٨ ه).
قيل : كان يحفظ ثلاثمائة ألف شاهد في القرآن ـ الاعلام ج ٧ ص ٢٢٦.
(٣) الأعراف : ٩٢.
(٤) درر القلائد وغرر الفوائد للسيّد المرتضى ج ١ ص ٣١ ـ ٣٥.