وقد ظهر من جميع ما مرّ اعتبار قصد اللّفظ فيها ، وفي سائر ، العبادات القوليّة من الدعاء ، والزيارة ، والذكر ، وغيرها.
نعم ، هل يعتبر فيها قصد الدّلالة والمدلول أم لا؟ وجهان قوّى أوّلهما كاشف الغطاء ، وفيه خفاء ، إذ لا يعتبر فيهما العلم بهما فضلا عن قصدهما تفصيلا أو إجمالا.
نعم لا يبعد مانعية قصد العدم ، بل معه يمكن التأمّل في صدق الموضوع ، وأمّا مجرّد عدم قصد المعنى فلا يقدح في الصدق ، بل التوظيف ولذا قال رحمهالله في موضع آخر : إنّ كلّا من القراءة ، والذكر والدعاء لا يخلو من ثلاثة أحوال : لفظ مجرّد عن المعنى ، ومعنى مجرّد من اللّفظ ، مقرون بالكلام النفسي ، وجامع للأمرين ، والجميع مستحبّ لكنّها مرتّبة ، فالمتقدّم فيها مفضول بالنسبة الى المتأخّر ، وان كان يمكن الجمع بين الكلامين بظهور الفرق بين قصد المعنى ولو اجمالا ، وبين فهمه كما لا يخفى.
ومن الوظائف أيضا : استشعار عظمة المتكلّم والكلام ، ومقام التلاوة ، فينبغي للقارىء إذا أراد الشروع في التلاوة أن يحضر في قلبه شيئا من عظمة الخالق الحكيم ، والقادر العليم ، والعلي العظيم الّذي عجزت العقول عن إدراك شيء من عظمته وجلاله ، وانحسرت البصائر والأبصار دون النظر الى سبحات وجهه ونور جماله ، الطريق مسدود ، والطلب مردود ، دليله آياته ، وآياته مرآقه.
وشيئا من عظمة الكلام ، فإنّه النور السّاطع ، والضياء اللّامع ، والشفاء النافع ، والقول الجامع ، والسحاب الهامع ، وهو ربيع القلوب ومفتاح الغيوب ، فيه منار الهدى ، ومصابيح الدجى ، ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، لا تحصى عجائبه ، ولا تبلى غرائبه ، قد نزّله روح القدس من ربّ العالمين على قلب سيّد المرسلين ،