ليبشّر به المؤمنين ، وينذر به المنافقين ، بعد أن كان مجرّدا في عالم الأنوار ، مصونا عن مسّ الأغيار مرفوعا عن عالم الأكدار ، فنزّله عن عرش جلاله إلى درجة أفهام خلقه ، مكسؤا بكسوة الألفاظ والعبارات ، مملوّا بحار معانيها من كنوز الحقائق ، ورموز الإشارات ، حسبما مرّ تفصيل الكلام في حقيقته وكيفيّة نزوله في الأبواب المتقدّمة.
وشيئا من عظمة مقام التلاوة ، فإنّه مقام وعر صعب ، عزيز المنال ، خارج عن إحاطة البيان والمقال ، لأنّ العبد يجد فيه روح الاستيناس والوصال ، ويذوق فيه حلاوة مخاطبات ذي الجلال.
ولذا قال الإمام في ضمن الخبر المقدّم ذكره : «فاذا شرب كأسا من هذا المشرب فحينئذ لا يختار على ذلك الحال حالا ، ولا على ذلك الوقت وقتا ، بل يؤثره على كلّ طاعة وعبادة ، لأنّ فيه المناجاة مع الربّ بلا واسطة ... الخبر (١).
وفي «مجمع البيان» : عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «من قرأ القرآن فظنّ أنّ أحدا أعطي أفضل ممّا أعطي ، فقد حقّر ما عظمّ الله ، وعظمّ ما حقّر الله (٢).
وفي تفسير مولانا العسكري عليهالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «حملة القرآن هم المخصوصون برحمة الله ، المقرّبون عند الله ، من والاهم فقد والى الله ، ومن عاداهم فقد عادى الله ، يدفع الله عن مستمع القرآن بلوى الدّنيا ، وعن قارئه بلوى الآخرة ، والّذى نفس محمد صلىاللهعليهوآله بيده لسامع آية من كتاب الله وهو معتقد ... الى أن قال : أعظم أجرا من ثبير ذهبا يتصدّق به ، ولقارئ آية من كتاب الله معتقدا
__________________
(١) الحجّة البيضاء ج ٢ ص ٢٤٩ عن مصباح الشريعة.
(٢) مجمع البيان ج ١ ص ١٦.