الرسالة لما ظهر منه الاستخفاف بالدين ، ولهذا لمّا أسلم كثير من أحبارهم مثل كعب الأحبار (١) وابن سلام (٢) ووهب بن منبّه (٣) وغيرهم من العارفين بالملّة اليهود لم يذكروا ذلك بل أنكروه.
مع أن الدوام في عبارته بعد تسليمه محمول على الزمان الطويل ، بل قيل قد جاء في مواضع من التورية بهذا المعنى ، فقد قال في العبد يستخدم ستّ سنين ثم يعتق في السابعة ، فإن أبى العتق يستخدم أبدا ، وقال في البقرة التي أمروا بذبحها : يكون ذلك سنّة أبدا ، ثم انقطع التعبد به الى غير ذلك من المواضع التي استعمل فيها التأبيد للزمان الطويل.
والثالث أيضا مردود بأنّ الحكمة ظاهرة له سبحانه عالم بها في الأزل إلّا أنه لا يظهره إلّا بظهوره المقتضى المتجدّد بتجدّد الزمان.
والرابع أيضا مردود بمنع الملازمة إذ من المصالح ما لا يتبدّل باختلاف الأزمنة أبدا كالتوحيد وسائر المعارف الّتي يحكم بها العقل ، ولذا قيل : إنّه لا نسخ
__________________
(١) كعب الأحبار بن ماتع بن ذي هجن الحميري أبو إسحاق : تابعي. كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن ، وأسلم في زمن أبي بكر ، وقدم المدينة في دولة عمر ، فأخذ عنه الصحابة وغيرهم كثيرا من أخبار الأمم الغابرة ، وأخذ هو من الكتاب والسنّة عن الصحابة. وخرج الى الشام وسكن حمص ، وتوفّي فيها عن مائة وأربع سنين سنة ٣٢ ه (تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٤٩ ، الأعلام الزركلي ج ٦ ص ٨٥).
(٢) عبد الله بن سلام بن حارث الإسرائيلي ، أبو يوسف صحابي قيل أنه من نسل يوسف بن يعقوب. أسلم عند قدوم النبي صلىاللهعليهوآله المدينة ، وكان اسمه «الحصين» فسماه رسول الله صلىاللهعليهوآله عبد الله ، وشهد مع عمر فتح بيت المقدس والجابية ، وله ٢٥ حديثا ، وتوفّي بالمدينة سنة ٤٣ ه ، تهذيب التهذيب ج ٥ ص ٢٤٩ ، الأعلام ج ٥ ص ٢٢٣.
(٣) قد مرّت ترجمة وهب بن منبّه.