وحيث ان الحجية معناها ابراز شدّة اهتمام المولى بالتكليف الواقعي المشكوك ، كما عرفنا سابقا عند البحث في حقيقة الاحكام الظاهرية ... فاحتمال الحجّة على الواقع المشكوك يعني احتمال تكليف واقعي متعلق لاهتمام المولى الشديد وعدم رضائه بتفويته ، ولنسمّ هذا [الاحتمال] ب «الاحتمال المركّب» (١).
وعليه فالبراءة عن الاحتمال البسيط لا تكفي بل لا بد من التأمين من ناحية الاحتمال المركّب ايضا ببراءة ثانية.
وقد يعترض على ذلك بأنّ الاحكام الظاهرية كما تقدّم في الجزء السابق متنافية بوجوداتها الواقعية ، فاذا جرت البراءة عن الحجّية المشكوكة (٢) وفرض انها (٣) كانت ثابتة يلزم اجتماع حكمين
__________________
(١) وجه هذه التسمية انه عند ما يحتمل وجود أمارة حجّة يتولّد احتمال آخر ـ تبعا للاوّل ـ وهو احتمال وجود تكليف واقعي على طبقه قد اهتمّ المولى بشأنه.
(٢) سواء كان الشك في صدور حديث معتبر شرعا او كان الشك في حجية الحديث الصادر كخبر الثقة غير الامامي او وكيل الامام الذي لم يوثّق بصراحة.
(٣) أي فاذا جرت البراءة عن «الحجيّة المشكوكة» وجودا أو حكما ـ اي عن احتمال وجود امارة حجّة ملزمة للتكليف او عن حجيّتها بعد فرض وجودها ـ وفرض ان هذه الحجيّة كانت ثابتة في الواقع يلزم اجتماع براءة ظاهرية معذّرة وامارة منجّزة ، وهو محال ، وذلك لعدم امكان أن يكون المكلّف بريء الذمّة عن حجيّة مشكوكة ومشغول الذمّة بها في نفس الوقت.