الاعتداء وسلب الغير حقّه ، وهذا يعني افتراض ثبوت حقّ في المرتبة السابقة ، وهذا الحقّ بنفسه من مدركات العقل العملي ، فلو لا أنّ للمنعم حقّ الشكر في المرتبة السابقة لما انطبق عنوان الظلم على ترك شكره ، فكون شيء ظلما وبالتالي قبيحا مترتب دائما على حقّ مدرك في المرتبة السابقة ، وهو في المقام حقّ الطاعة. فلا بدّ أن يتّجه البحث إلى أنّ حقّ الطاعة للمولى هل يشمل التكاليف الواصلة بالوصول الاحتمالي أو يختصّ بما كان واصلا بالوصول القطعي بعد الفراغ (١) عن عدم شموله للتكليف بمجرّد ثبوته واقعا ولو لم يصل بوجه.
الرابع : ما ذكره المحقق الاصفهاني (٢) أيضا تعميقا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، على أساس مبنى له في حقيقة التكليف ، حاصله : انّ التكليف انشائي وحقيقي ، فالانشائي : ما يوجد بالجعل والانشاء ، وهذا لا يتوقّف على الوصول ، والتكليف الحقيقي : ما كان إنشاؤه بداعي البعث والتحريك ، وهذا متقوّم بالوصول ، إذ لا يعقل أن يكون التكليف بمجرّد انشائه باعثا ومحرّكا ، وانّما يكون كذلك بوصوله ، فكما أنّ بعث العاجز
__________________
(١) أي بعد الفراغ عن عدم شمول حقّ الطاعة للتكاليف الغير محتملة ولو لعدم الالتفات والتوجّه ، وبكلمة أخرى لا وجوب عقلي لتكليف ثابت في الواقع إلّا إذا كان له كاشف ولو بنحو الاحتمال.
(٢) المصدر السابق.
__________________
«بشرط كونه قبيحا» وذلك لأن كل ظلم هو قبيح ، وهذا معنى قولهم بان الاحكام العقلية لا تقبل التخصيص. وعليه فيصحّ عندنا النقاش الثاني ـ المذكور في هذا الكتاب ـ دون الأوّل