(لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) وقال : (نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) فمرّة يخبر أنّهم يتكلمون ، ومرّة يخبر أنّهم لا يتكلمون إلّا من أذن له الرّحمن وقال صوابا ، ومرّة يخبر أنّ الخلق لا ينطقون ، ويقول عن مقالتهم (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ومرّة يخبر أنّهم يختصمون ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع؟
قال : هات ويحك ما شككت فيه ، قال : وأجد الله عزوجل يقول : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ويقول : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ويقول : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) ويقول : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً* يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) ومن أدركه الابصار فقد أحاط به العلم ، فأنّى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع؟
قال : هات أيضا ، ويحك ما شككت فيه ، قال : وأجد الله تبارك وتعالى يقول : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) وقال : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) وقال : (وَناداهُما رَبُّهُما) وقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ) وقال : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) فأنّى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع؟
قال : هات ويحك ما شككت فيه ، قال : وأجد الله جلّ ثناؤه يقول : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) وقد يسمّى الانسان سميعا بصيرا وملكا وربّا فمرّة يخبر بأنّ له أسامي كثيرة مشتركة ، ومرّة يقول : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشكّ فيما تسمع.
قال : هات ويحك ما شككت فيه ، قال : وجدت الله تبارك وتعالى يقول : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ). ويقول : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ). ويقول : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ