ج ـ «العنق» ، في قوله تعالى في سورة سبأ / ٣٣ :
(وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا).
وقوله في سورة غافر / ٧١ :
(إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ).
فإنّ تبديل (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) إلى «في عنقها» أو «في رقبتها» حبل من مسد يخلّ بالمعنى المراد ، لأنّ التهكّم بحمّالة الحطب أخت أبي سفيان في «سورة تبّت» ، يقتضي أن يقال : علّقت في جيدها بدل القلّادة التي تتزيّن بها الفتيات حبلا تحمل بها الحطب لاشتعال نار الفتنة.
وكذلك الشأن في (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) ، لأنّ الرقبة تتضمن معنى النسمة ، والعنق يتضمن معنى الطول ، وتبديل كل منهما بمرادفه يخلّ بالوزن والنظم والمعنى (١).
ومرّة أخرى نوكد : أنّ كلّ عربي اللسان مارس قراءة القرآن بتدبر في بلاغته وفصاحة كلماته يدرك تجانسها وتناسق أنغامها ويكتشف أوزان سورها ، ويدرك أنّ تبديل أية كلمة منها بأخرى ، أو تقديمها وتأخيرها عن مكانها نشاز يمجّه ذوقه السليم كما يدرك مثلا قبح تبديل أصابع رجلي الإنسان بأصابع يديه ، وتحويل أذنيه مكان عينيه ، ورجليه مكان يديه ، ـ لو أمكن ذلك ـ هكذا يدرك سخف ما تقوّله آلهة القراءات الذين جعلوا القرآن عضين ، واستمروا في غيّهم منذ القرن الثاني الهجري حتى اليوم يعمهون.
وفي الآية الكريمة تبديل «الذين» ب «من» و «لا» ب «غير» في سورة الحمد ، يخلّ بالوزن والمعنى والنظم ، ممّا لم يدركه آلهة القراءات.
__________________
(١) راجع حول موضوع أوزان السور القرآنية البحث السادس من المجلد الثاني من هذا الكتاب «القراءات المختلقة وقراءها» ص ١٨٥ ـ ٢٦١.