ومصاحف الصحابة كان فيها النص القرآني مع بيان معاني الآيات الّتي سمعوها من رسول الله (ص) ، وأمر الخليفة أبو بكر بكتابة القرآن مجرّدا عن بيان الرسول (ص) في تفسير الآيات ، وانتهت كتابة ذلك القرآن المجرّد عن تفسير الرسول في عصر الخليفة عمر ، فأودعه عند ابنته أمّ المؤمنين حفصة.
وعلى عهد الخليفة عثمان ، أخذ ذلك المصحف منها ، وأمر باستنساخ سبع نسخ منه ، وأبقى منها نسخة في المدينة ، وأرسل الباقي إلى أمّهات المدن الإسلامية : مكة والبصرة والكوفة والإسكندرية ودمشق وحمص ، وأخذ مصاحف الصحابة منهم ، وكانت تحوي مع القرآن ما سمع كلّ منهم من تفسير للآيات عن رسول الله (ص) ، وأحرقها جميعا ، واستنسخ المسلمون القرآن من تلك النسخ السبع.
واستمرّ ذلك إلى اليوم ، وأصبح بعد ذلك إقراء القرآن تعليما لتلاوة ألفاظ القرآن وحدها ، والمقرئ من يعلّم القرآن كذلك بلا تفسير ، وأحيانا يقال له : القارئ ، وبعد ذلك نسي المصطلح القرآني ، واشتهرت القراءة والإقراء ، وما يتفرّع منهما إلى يومنا هذا في المعنى الجديد.
وعلى إثر ذلك ، لم يدرك معنى الروايات التي وردت في المدرستين ، مثل «وصلاة العصر» ، تفسيرا «للصلاة الوسطى» في الروايات المذكورة آنفا ، وظنّوا أنّ الرواية تعني أنّها كانت نصّا قرآنيا في رواية أزواج النبي (ص) ، وشابهها في روايات أئمة أهل البيت.
فعالج المشكلة عامّة أتباع مدرسة الخلفاء في أمثال ذلك ، باختراع مصطلح النسخ ، وقسّموا النسخ على ثلاثة أقسام : منسوخ التلاوة ، ومنسوخ الحكم ، ومنسوخ التلاوة والحكم معا ، وألّفوا في ذلك المؤلّفات ، كما ذكرناها في بحث النسخ من المجلّد الثاني ، وسمّوا قسما منها بالقراءة ، وقد درسناها في بحث القراءات من المجلّد الثاني.