فقال سفيان الثوري بالباب فقال ائذن له فدخل فقال له جعفر يا سفيان إنك رجل يطلبك السلطان وأنا أتقي السلطان قم فاخرج غير مطرود فقال سفيان حدثني حتى أسمع وأقوم فقال جعفر حدثني أبي عن جدي أن رسول الله ص قال من أنعم الله عليه نعمة فليحمد الله ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله ومن حزنه أمر فليقل لا حول ولا قوة إلا بالله فلما قام سفيان قال جعفر خذها يا سفيان ثلاثا وأي ثلاث.
وقال سفيان دخلت على جعفر بن محمد وعليه جبة خز دكناء (١) وكساء خز فجعلت أنظر إليه تعجبا فقال لي يا ثوري ما لك تنظر إلينا لعلك تعجب مما ترى فقلت له يا ابن رسول الله ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك قال يا ثوري كان ذلك زمان إقتار وافتقار وكانوا يعملون على قدر إقتاره وافتقاره وهذا زمان قد أسبل كل شيء عزاليه (٢) ثم حسر ردن جبته (٣) فإذا تحتها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل والردن عن الردن وقال يا ثوري لبسنا هذا لله تعالى وهذا لكم فما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه.
وقال الهياج بن بسطام كان جعفر بن محمد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء وكان يقول ع لا يتم المعروف إلا بثلاثة تعجيله وتصغيره وستره.
وسئل ع لم حرم الله الربا قال لئلا يتمانع الناس المعروف.
وذكر بعض أصحابه قال دخلت على جعفر وموسى ولده بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية فكان مما حفظت منه أن قال يا بني احفظ وصيتي واحفظ (٤) مقالتي فإنك
__________________
(١) الدكنة ـ كظلمة ـ : لون يضرب إلى السواد.
(٢) أسبل الدمع : أرسله. العز إلى جمع العزلاء : مصب الماء من الراوية ونحوها يقال : أرخت السماء عزّ إليها إشارة إلى شدة وقع المطر واستعار (ع) لوجوه الأشياء بفم المزادة.
(٣) الردن : أصل الكم.
(٤) وفي بعض النسخ «أقبل».