وشهدنا كثيرا من ذلك وتيقناه وعلمناه علما لا يتخالج الشك والريب في معناه فلو ذهبنا نخوض في إيراد ذلك لخرجنا عن الغرض في هذا الكتاب.
وقال الفصل الرابع في ذكر طرف من خصائصه ومناقبه وأخلاقه الكريمة ع.
قال إبراهيم بن عباس ما رأيت الرضا ع سئل عن شيء إلا علمه ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب عنه وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن المجيد وكان يختمه في كل ثلاث. وكان يقول لو أني أردت أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمت لكني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها وفي أي شيء أنزلت.
وعنه قال إني ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا ع وشهدت منه ما لم أشاهد من أحد وما رأيته جفا أحدا بكلام قط ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه وما رد أحدا عن حاجة قدر عليها ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط ولا اتكأ بين يديه جليس له قط ولا رأيته يشتم أحدا من مواليه ومماليكه ولا رأيته تفل قط ولا رأيته يقهقه في ضحكه بل كان ضحكه التبسم وكان إذا خلا ونصبت الموائد أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس وكان قليل النوم بالليل كثير الصوم ولا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ويقول إن ذلك يعدل صيام الدهر وكان كثير المعروف والصدقة في السر وأكثر ذلك منه لا يكون إلا في الليالي المظلمة فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه.
وعن محمد بن أبي عباد قال كان جلوس الرضا ع على حصير في الصيف وعلى مسح في الشتاء (١) ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم.
وعن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال ـ ما رأيت أعلم من علي
__________________
(١) المسح ـ بالكسر ـ : البلاس يقعد عليه.