وإن كانت صغيرة فدلالتها كبيرة وهي أن هذا
أبو جعفر محمد بن علي ع لما توفي والده علي الرضا وقدم الخليفة المأمون إلى بغداد بعد وفاته لسنة اتفق أنه خرج يوما إلى الصيد فاجتاز بطرف البلد في طريقه والصبيان يلعبون ومحمد واقف معهم وكان عمره يومئذ إحدى عشرة سنة فما حولها فلما أقبل المأمون انصرف الصبيان هاربين ووقف أبو جعفر محمد ع فلم يبرح مكانه فقرب منه الخليفة فنظر إليه وكان الله عز وعلا قد ألقى عليه مسحة من قبول فوقف الخليفة وقال له يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان فقال له محمد مسرعا يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابي ولم تكن لي جريمة فأخشاها وظني بك حسن أنك لا تضر من لا ذنب له فوقفت فأعجبه كلامه ووجهه فقال له ما اسمك قال محمد قال ابن من أنت قال يا أمير المؤمنين أنا ابن علي الرضا فترحم على أبيه وساق إلى وجهته وكان معه بزاة فلما بعد عن العمارة أخذ بازيا فأرسله على دراجة فغاب عن عينه غيبة طويلة ثم عاد من الجو وفي منقاره سمكة صغيرة وبها بقايا الحياة فتعجب الخليفة من ذلك غاية التعجب ثم أخذها في يده وعاد إلى داره في الطريق الذي أقبل منه فلما وصل إلى ذلك المكان وجد الصبيان على حالهم فانصرفوا كما فعلوا أول مرة وأبو جعفر لم ينصرف ووقف كما وقف أولا فلما دنا منه الخليفة قال يا محمد قال لبيك يا أمير المؤمنين قال ما في يدي فألهمه الله عز وعلا أن قال يا أمير المؤمنين إن الله تعالى خلق بمشيته في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك والخلفاء فيختبرون بها سلالة أهل بيت النبوة فلما سمع المأمون كلامه عجب منه وجعل يطيل نظره إليه وقال أنت ابن الرضا حقا وضاعف إحسانه إليه.
وفي هذه الواقعة منقبة تكفيه عن غيرها ويستغنى بها عن سواها.
ولده أبو الحسن علي وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وأما عمره فإنه مات في ذي الحجة من سنة مائتين وعشرين للهجرة في خلافة المعتصم وقد تقدم ذكر ولادته في سنة مائة وخمس وتسعين فيكون عمره خمسا