قال فسجد أبو الحسن وهو يقول في سجوده راغما لك يا خالقي داخرا خاضعا قال فلم يزل كذلك حتى ذهب ليلي ثم قال يا فتح كدت أن تهلك وتهلك وما ضر عيسى إذا هلك من هلك فاذهب إذا شئت رحمك الله.
قال فخرجت وأنا فرح بما كشف الله عني من اللبس بأنهم هم وحمدت الله على ما قدرت عليه فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه وهو متك وبين يديه حنطة مقلوة (١) يعبث بها وقد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا ويشربوا إذ كان ذلك آفة والإمام غير مئوف فقال اجلس يا فتح فإن لنا بالرسل أسوة كانوا يأكلون ويشربون (وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) وكل جسم مغذو بهذا إلا الخالق الرازق لأنه جسم الأجسام وهو لم يجسم ولم يجز ابتناءه ولم يتزايد ولم يتناقص مبرأ من ذاته ما ركب في ذات من جسمه الواحد الأحد الصمد الذي (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) منشئ الأشياء مجسم الأجسام وهو السميع العليم اللطيف الخبير الرءوف الرحيم تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا لو كان كما وصف لم يعرف الرب من المربوب ولا الخالق من المخلوق ولا المنشئ من المنشأ ولكنه فرق بينه وبين من جسمه وشيأ الأشياء إذ كان لا يشبهه شيء يرى ولا يشبه شيئا.
محمد بن الريان بن الصلت قال كتبت إلى أبي الحسن أستأذنه في كيد عدو لم يمكن كيده فنهاني عن ذلك وقال كلاما معناه تكفاه فكفيته والله أحسن كفاية ذل وافتقر ومات في أسوء الناس حالا في دنياه ودينه.
علي بن محمد الحجال قال كتبت إلى أبي الحسن أنا في خدمتك وأصابني علة في رجلي لا أقدر على النهوض والقيام بما يجب فإن رأيت أن تدعو الله أن يكشف علتي ويعينني على القيام بما يجب علي وأداء الأمانة في ذلك ويجعلني من تقصيري من غير تعمد مني وتضييع مال أتعمده من نسيان يصيبني في حل ويوسع علي وتدعو لي بالثبات على دينه الذي ارتضاه لنبيه ع فوقع كشف الله عنك وعن أبيك قال
__________________
(١) قلا اللحم وغيره : أنضجه في المقلى.