على الناس ببيعه وأمسينا فلما صلينا العتمة جاءني السائس (١) فقال نفق (٢) فرسك الساعة فاغتممت وعلمت أنه عنى هذا بذلك القول ثم دخلت على أبي محمد بعد أيام وأنا أقول في نفسي ليته أخلف علي دابة فلما جلست قال قبل أن أحدث بشيء نعم نخلف عليك يا غلام أعطه برذوني الكميت (٣) ثم قال هذا خير من فرسك وأوطأ وأطول عمرا.
قال أحمد بن محمد كتبت إلى أبي محمد ع حين أخذ المهتدي في قتل الموالي يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنك فقد بلغني أنه يتهددك ويقول والله لأخلينهم عن جديد الأرض فوقع أبو محمد ع بخطه ذاك أقصر لعمره وعد من يومك هذا خمسة أيام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف بموته فكان كما قال.
قال دخل العباسيون على صالح بن وصيف عند ما حبس أبو محمد ع فقالوا له ضيق عليه ولا توسع فقال صالح ما أصنع به قد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم ثم أمر بإحضار الموكلين فقال لهما ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل فقالا له ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا أرعدت فرائصنا وأدخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلما سمع العباسيون ذلك انصرفوا خائبين.
وعن علي بن محمد عن جماعة من أصحابنا قالوا سلم أبو محمد ع إلى نحرير وكان يضيق عليه ويؤذيه فقالت له امرأته اتق الله فإنك لا تدري من في بيتك وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت إني أخاف عليك منه فقال والله لأرمينه للسباع ثم استأذن في ذلك فأذن له فرمى به إليها ولم يشكوا في أكلها له فنظروا
__________________
(١) ساس الدابّة : راضها وأدبها.
(٢) أي مات.
(٣) الكميت من الخيل : ما بين الأسود والأحمر.