فجعلت أتعجب في نفسي من عظيم ما أعطى الله وليه وجزيل ما حمله فأقبل أبو محمد علي فقال الأمر أعجب مما عجبت منه يا أبا هاشم وأعظم ما ظنك بقوم من عرفهم عرف الله ومن أنكرهم أنكر الله فلا مؤمن إلا وهو بهم مصدق وبمعرفتهم موقن.
وقال أبو هاشم سمعت أبا محمد يقول من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل ليتني لم أؤخذ إلا بهذا فقلت في نفسي إن هذا لهو الدقيق وقد ينبغي للرجل أن يتفقد من نفسه كل شيء فأقبل علي فقال صدقت يا أبا هاشم ألزم ما حدثتك نفسك فإن الإشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على الصفاء في الليلة الظلماء ومن دبيب الذر على المسح الأسود.
وعن أبي هاشم قال سمعت أبا محمد يقول إن في الجنة لبابا يقال له المعروف لا يدخله إلا أهل المعروف فحمدت الله في نفسي وفرحت بما أتكلفه من حوائج الناس فنظر إلي أبو محمد قال نعم فدم على ما أنت عليه فإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة جعلك الله منهم يا أبا هاشم ورحمك.
وعنه قال سمعت أبا محمد يقول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ـ) أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها.
وعنه قال سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد عن قول الله (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (١) فقال أبو محمد له الأمر من قبل أن يأمر به وله الأمر من بعد أن يأمر بما شاء فقلت في نفسي هذا قول الله (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢) قال فنظر إلي وتبسم ثم قال (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ).
وعن أبي هاشم قال سئل أبو محمد ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرجل سهمين فقال إن المرأة ليست عليها جهاد ولا نفقة
__________________
(١) الروم : ٤.
(٢) الأعراف : ٥٤.