أن هذه العلوم بأسرها قد انتشرت عنهم مع غناهم عن سائر الناس وتيقنا زيادتهم في ذلك على كافتهم ونقصان جميع العلماء عن رتبتهم.
فثبت أنهم أخذوها عن النبي ص خاصة وأنه أفردهم بها ليدل على إمامتهم وافتقار الناس إليهم فيما يحتاجون إليه وغناهم عنهم ليكونوا مفزعا لأمته في الدين وملجئا لهم في الأحكام وجروا في هذا التخصيص مجري النبي ص في تخصيص الله سبحانه له بإعلامه أحوال الأمم السالفة وإفهامه ما في الكتب المتقدمة من غير أن يقرأ كتابا أو يلقى أحدا من أهله.
هذا وقد ثبت في العقول أن الأعلم الأفضل أولى بالإمامة من المفضول وقد بين الله ذلك في كتابه بقوله (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) (١) وقوله (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٢) ودل بقوله سبحانه في قصة طالوت (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) (٣) وأن التقدم في العلم والشجاعة موجب للتقدم في الرئاسة وإذا كانت أئمتنا ع أعلم الأمة بما ذكرناه فقد ثبت أنهم أئمة الإسلام الذين استحقوا الرئاسة على الأنام بما قلناه.
دلالة أخرى ومما يدل على إمامتهم ع إجماع الأمة على طهارتهم وظاهر عدالتهم وعدم التعلق عليهم أو على أحد منهم بشيء يشينه في ديانته مع اجتهاد أعدائهم وملوك أزمنتهم في الغض منهم (٤) والوضع من أقدارهم والتطلب لعثراتهم حتى أنهم كانوا يقربون من يظهر عداوتهم وينفون ويقتلون من يتحقق بولايتهم وهذا أمر ظاهر عند من سمع بأخبار الناس فلو لا أنهم ع كانوا على صفات الكمال من العصمة والتأييد من الله تعالى وأنه سبحانه منع بلطفه كل أحد من أن
__________________
(١) يونس : ٣٥.
(٢) الزمر : ٩.
(٣) البقرة : ٢٤٩.
(٤) غض من فلان : وضع من قدره.