الولي والعدو مع اختلاف الأهواء وتباين الآراء فلا يجحد عدوهم شرفهم وعلو مكانهم وعظيم مقدارهم هذا معاوية مع مبارزته لأمير المؤمنين ع ونصبه له العداوة وما جرى بينهم من الوقائع لم يمكنه يوما أن يدفع شرفه ولا يضع منزلته ولا يقدح في حال من أحواله وأمر من أموره وقد كان يسمع من أصحابه ع ومن ابن عباس رضي الله عنه ومن الوافدين عليه والوافدات ما يقذي عينه ويصم سمعه من تفضيل علي ع عليه وعد مناقبه ووصف خلاله وذكر مأثره فما نقل أنه أنكر ذلك ولا أمكنه رده ولا النكير على قائله مع محاربته له ومنازعته إياه الخلافة وسبه إياه على المنابر فكان كما قيل فأخرجه إلى السفه العياء.
وقد أجاد مهيار في قوله.
ما لقريش ما ذقتك عهدها |
|
ودا محبتك ودها على دخل |
وطالبتك بقديم حقدها |
|
بعد أخيك بالتراب والذحل |
وكيف ضموا أمرهم واجتمعوا |
|
واستوردوا الرأي وأنت منعزل |
وليس منهم قادح بريبه |
|
فيك ولا فاض عليك بوهل |
وكذا كانت الحال مع ناكثي بيعته فإنهم لم يتمكنوا من إنكار فضله ومجد شرفه وكذا كانت أحوال الحسن والحسين ع بعده من تعظيم الناس لهم واعترافهم لهم بعلو المنزلة حتى أن يزيد بن معاوية لقاه الله غب أفعاله الوخيمة وجزاه بما يستحقه على أعماله الذميمة فلم يسعه أن يقول في الحسين ع ما يغض من شرفه أو يطعن في ثغرة مجده ولم يحفظ عنه ذمة ولا استزادته وكان همه الدنيا وطلب الولاية فلها ترك الصواب وعليها دخل النار من كل الأبواب وكان يظهر الحزن عليه والندم على قتله وإنكار أنه أمر بذلك أو رضي به وما زال يعظم زين العابدين ع ولما أنفذ مسلم بن عقبة وجرت وقعة الحرة أوصاه باحترامه ع وإكرامه وصيانة جانبه معهم ومعرفتهم بحقه وقدره.