وحتى متى أتذكر حلاوة مذاق الدنيا وعذوبة مشارب أيامها وأقتفي آثار المريدين وأتنسم أرواح الماضين (١) مع سبقهم إلى الغل والفساد وتخلفي عنهم في فضالة طرق الدنيا منقطعا من الأخلاء فزادني جليل الخطب لفقدهم جوى وخانني الصبر حتى كأني أول ممتحن أتذكر معارف الدنيا وفراق الأحبة.
فلو رجعت تلك الليالي كعهدها |
|
رأت أهلها في صورة لا تروقها |
فمن أخص بمعاتبتي ومن أرشد بندبتي ومن أبكى ومن أدع أشجوا بهلكة الأموات أم بسوء خلف الأحياء وكل يبعث حزني ويستأثر بعبراتي ومن يسعدني فأبكى وقد سلبت القلوب لبها ورقا الدمع وحق للداء أن يذوب على طول مجانبة الأطباء وكيف بهم وقد خالفوا الأمرين وسبقهم زمان الهادين ووكلوا إلى أنفسهم يتنكسون في الضلالات في دياجير الظلمات.
حيارى وليل القوم داج نجومه |
|
طوامس لا تجري بطيء خفوقها |
قلت هذا الفصل من كلامه ع قد نظمه بعض الشعراء وأجاد في قوله :
قد كنت أبكي على ما فات من زمني |
|
وأهل ودي جميع غير أشتات |
واليوم إذ فرقت بيني وبينهم |
|
نوى بكيت على أهل المروءات |
وما حياة امرئ أضحت مدامعه |
|
مقسومة بين أحياء وأموات |
قال ع وقد انتحلت طوائف من هذه الأمة بعد مفارقتها أئمة الدين والشجرة النبوية إخلاص الديانة وأخذوا أنفسهم في مخائل الرهبانية وتغالوا في العلوم ووصفوا الإسلام (٢) بأحسن صفاتهم وتحلوا بأحسن السنة حتى إذا طال عليهم الأمد و (بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) وامتحنوا بمحن الصادقين رجعوا على أعقابهم ناكصين عن سبيل الهدى وعلم النجاة يتفسحون تحت أعباء الديانة تفسح حاشية الإبل تحت
__________________
(١) وفي نسخة «الصالحين».
(٢) وفي نسخة «الايمان».