فوجدته متناقضاً متهافتاً ، فظهر لي أنَّ من لخّص الحديث وأورده في كتابه قد أسقط من الحديث ما يشين عليه ويسقطه من الاعتبار ، ولولا هذا السفر القيّم وجمعه الشوارد والنوادر من هنا وههنا في باب واحد ، لماظهر لي ذلك .
وهكذا عند ما أشرفت على الجزء ٧١ ص ٣٥٤ ، رأيت أنّه قدِّس سرُّه قد أخرج تحت عنوان ( ختص ـ ضا ) فصلاً واحداً مشتملا على عدَّة روايات بلفظ واحد ، تنبّهت إلى أنَّ كتاب الاختصاص لا يصح أن يكون للشيخ المفيد قدِّس سرُّه ، لأنّه أجلُّ شأناً أن يروي عن كتاب التكليف ( الّذي عرف عند المتأخّرين بفقه الرضا عليهالسلام وإملائه ) فينقله بلفظه وعبارته ، ولولا ذلك لما علمت ذلك أبد الاٰبدين (١) .
وهكذا عند ما أشرفت على كتاب الدعاء وزاولت الأدعية المطولة ، رأيت في الأكثر أنَّ في اسنادها واحداً أو اثنين من الكتّاب المنشئين كفضل بن أبي قرة وابن خانبه وأضرابهما ، فتنبهت إلى حقيقة أشرت إلى شطر منها في ج ٨٧ ص ٢٩٦ .
فاليوم ترى من لا خبرة له يحفظ حديثاً من أوَّل الباب ويلقيها على الناس المستمعين كأنه وحي منزل ويلعب بأفكار الناس وعقائدهم ، ولايتعب نفسه بالمراجعة إلى ذيل هذا الباب ليظهر على تناقضه ، فكيف إذا كان الحديثان باقيين في مصادرهما ، فقلَّ من يراجع تلكم المصادر ليحقّق الحقَّ كما حقّقه مؤلّفنا العلّامة ؟ وكذا أرباب التآليف الحديثيّة ، حيث لا يحققون الحقَّ بعد تسهيل الطريق فيوردون الحديث في مؤلّفهم تأييداً لمزعمتهم ، مع أنّه متناقض مع الحديث الاٰخر الّذي أضرب عنه صفحاً .
فاللازم علينا أن نشكر هذه السيرة الجميلة من المؤلّف ونثني عليه ثناء بالغاً ، حيث أورد في كتابه كلَّ ما وصل إليه ، وأحال تمييز الصحيح من السقيم إلى معرفة الناظرين وإحاطتهم وأنظارهم ، من دون أن يتحاكم بفكره ونظره فيتحامل على بعض الأخبار بأنَّ هذا مخالف للمذهب ساقط من حدِّ الاعتبار فلاأورده وهذا سليم من العلل
________________________
(١) راجع بيان ذلك في ج ٧١ ص ٣٥٤ ج ٩١ ص ١٣٨ ذيل الصفحات .