وأمّا من حيث فهم معاني الحديث ومغزاه (١) ونقله في الباب الفلاني دون الاٰخر ، فلا أحسب أنَّ أحداً يردُّ عليه سلامة فهمه وحسن رأيه وفطنته الثاقبة السليمة ، وهكذا في اختلاف الألفاظ وأنَّ هذا الاختلاف مغيّر للمعنى أولا ، ومن أراد حسن ثناء العلماء عليه فليراجع الفيض القدسي الرسالة التي كتبها شيخنا النوري في ترجمة العلّامة المجلسيّ ، وقد طبع في صدر الجزء ١٠٥ من طبعتنا هذه .
* * *
وأمّا تعرُّضه للمسائل الحكميّة والتكلّم فيها والردُّ والنكير عليها أحياناً فقد كان قدّس سرُّه مع اطّلاعه على مباني القوم (٢) ، يظنُّ بهم ظنّة ويتّهمهم في سلامة براهينهم وأدلّتهم سيما إذا ما خالف النصوص المأثورة وذلك لاختلاف مسلكي الاشراق والمشّاء وتناقض آراء كلّ فريق ثمَّ تهافت آراء المتقدّمين منهم مع آراء المتأخرين ، مع أنَّ كلّ واحد منهم يدَّعى البرهان على رأيه ويقيمه ، فيجىء الاٰخر وينسبه إلى السفسطة ويقيم البرهان بوجه آخر على خلافه .
وقد كان ظنّه قدّس سره صائباً صادقاً حيث أسفر ضياء العلم عن وجه هذه
________________________
(١) راجع كلام العلامة الافندي في بعض ما سبق ، ونصه في آخر كتاب الاجازات ( ١١٠ ص ١٧٨ ) .
(٢) قال قدس سره في مقدمة البحار ج ١ ص ٢ :
|
« اني كنت في عنفوان شبابى حريصاً على طلب العلوم بأنواعها ، مولعاً باجتناب فنون المعالي من أفنانها ، فبفضل الله سبحانه وردت حياضها وأتيت رياضها ، وعثرت على صحاحها ومراضها ، حتى ملات كمى من ألوان ثمارها ، واحتوى جيبي على أصناف خيارها ، وشربت من كل منهل جرعة روية ، وأخذت من كل بيد رحفنة مغنية » . |
ومعلوم أنه قدس سره قد كان تتلمذ في المعقول والنجوم والحساب ، فان هذه العلوم قد كانت متداولة في عصره متعارفاً بينهم ، مع ما نجد في كتابه هذا بحار الأنوار خصوصاً فى كتابه السماء والعالم شيئا كثيراً من ذلك .