ولا يجوز أن يريد تعالى الاستخلاف على الوجه الأخير ، لأنه سبحانه أضافه إليه ، وذلك يقتضي حسنه وإباحة التصرف له ، وتملّك البلاد والعباد على جهة الغلبة قبيح لا يجوز إضافته إليه سبحانه ، ولا يحسن معه التصرف على كلّ حال.
فان جاز للمجبّرة إضافة خلافتهم إلى الله تعالى ـ من حيث تمّ لهم تملّك أمر الأمة وتصريفهم على إرادتهم ـ لم يجز ذلك لأهل العدل ، ويلزمهم عليه إضافة خلافة كلّ متغلّب إلى الله تعالى من بني أمية وبني عباس ، بل عبّاد الأصنام ، فان التزموا ذلك ارتفعت المزية ، ولم ينازعهم في استحقاق القوم سمة الخلافة على الوجه الذي يستحقه كلّ متغلّب وظالم ، إذ ذلك صريح مذهبنا المدلول عليه ، وليس مما يريدونه في شيء ، وإنما يمنعهم من إثبات خلافتهم على وجه يحسن معه إضافتها إلى الله تعالى حسب ما اقتضته الآية ، فأمّا على وجه يقبح لا يجوز مع إضافتها إلى الله تعالى فغير منازعين فيه ، والآية أجنبية منه.
ومنه : قوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ) (١).
وأولو البأس هم أهل الردّة والروم وفارس ، والداعي إلى قتالهم أبو بكر وعمر وعثمان ، وقد تضمّنت الآية فرض طاعتهم ، فاقتضى ذلك إيمانهم وإمامتهم.
والجواب : من وجوه :
منها : أن الآية نزلت في المتخلّفين عن الحديبية بعد الأمر بمنعهم من الخروج إلى خيبر ذات المغانم ، المنصوص على منع هؤلاء المخلّفين منها ، فاقتضت اختصاص الدعوة بالنبيّ صلىاللهعليهوآله ، وقد دعى بعد خيبر إلى حنين وفتح مكّة وتبوك وغيرهن باتفاق ، لأنّ الله تعالى حرّم حضور خيبر ومغانمها على المخلّفين عن الحديبية بإجماع ونص التنزيل في قوله تعالى : ( سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا
__________________
(١) الفتح ٤٨ : ١٦.