وبين الفرار منه ، ولم ينههما عن ذلك ، لاستغنائه عنه بتقدّم الأمر من الله تعالى بالجهاد ، والحث منه سبحانه عليه ، ولأنه عليهالسلام إذا علم الوجه في تخلفهما حسن منه الامساك عنهما ، خوفا من الفساد بظهور جورهما وفشلهما.
وإن كان بأمره ـ عليه الصلاة والسلام ـ فلا وجه له إلاّ الخوف من إفسادهما ، لأن الشفقة عليهما من الجهاد ليست دينه ، لحصول العلم الضروري بالحثّ على الجهاد وذمّ المتخلّف عنه ، وتعريض نفسه وخلصائه من أهله وأصحابه له ، فصار العريش منقصة ظاهرة.
وليس لأحد أن يقول : الوجه في حبسهما في العريش للمشاورة.
لأنه عليهالسلام غنيّ عن رأيهما بالوحي ، ولأنه لو كان كذلك لحفظ ما أشارا به ، ونقل كما نقل ما أشارا به بعد الظهور على الكفار من احتباس الأسرى وبيعهم ، ونزول القرآن بذمّ أبي بكر المشير به ومشورة الآخر بالقتل ، ولأنّ الجلوس في العريش كان بعد الفراغ من الرأي والمكيدة والتقاء القوم للحرب ، ولأن الحرب وسياستها غيّبته عن رأي أبي بكر بنزول الملائكة وتولّيهم أمرها.
إن قيل : فهب سلّم لكم خلاف المتقدّمين على أمير المؤمنين عليهالسلام وأتباعهم ، ومحاربتهم (١) لله ورسوله بتقدّمهم وحربهم ، من أين لكم أنّ ذلك الخلاف كفر مضوا مصرّين عليه وما أنكرتم أن يكون فسقا يجوز العفو عنه أو حصول التوبة منه ، وذلك يمنع من فتياكم فيهم بالضلال والخلود في النار على أصولكم في ... (٢).
قيل : إنّ المتقدّمين على أمير المؤمنين عليهالسلام وأعيان أتباعهم ، كسعد وسعيد وخالد وأبي عبيدة وعبد الرحمن وسالم والمغيرة ، فالأمة فيهم رجلان :
__________________
(١) في النسخة : « ومحاربته ».
(٢) كلمة غير مقرؤة.