ووجب توجّهها إلى من ثبت إيمانه وجهاده وإنفاقه على جهة الإخلاص قبل الفتح وبعده ، كعلي وحمزة وجعفر عليهم (١) السلام ، وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وسعد وعمّار وسلمان وأبي ذر ومقداد ، وأمثالهم ممن أجمع المسلمون على ثبوت جهادهم قبل الفتح وبعده ، وإنفاق قوم منهم ووقوع ذلك موضع الرضوان ، وإلى من كان كذلك عند الله تعالى ممن لم نعرفه على جهة التعيّن ، ولا علمنا خروجه عن الايمان ، ووقوع الأفعال الشرعية منه موقعها ، كالقوم المذكورين.
ومن ذلك في أبي بكر خاصّة : قوله تعالى : ( إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) (٢).
قالوا : فاختصّ عليهالسلام بمصاحبته (٣) في مثل تلك الحال الّتي لا يطّلع عليها إلاّ المخلصين من الأولياء ، ونطق به القرآن بأنّه ثانيه وصاحبه في الطريق ومشارك له في الكون معه ، وأنه عليهالسلام شجّعه ورقّ له ، وأنّ السكينة نزلت عليه لخوفه وحاجته إليها ، وغنى النبي عليهالسلام عنها.
والجواب : أنه لا فضيلة في القصة ، بل هي دالّة على النقص ، وأنّه لو سلّم مرادهم منها لم يضرّ فيما قصدناه ولم ينفعهم.
فأمّا بيان عدم الفضيلة منها ، فلسنا نعلم استصحاب النبي صلىاللهعليهوآله له ، لأنه روي : أنه فقد النبي صلىاللهعليهوآله فتبعه ، وقيل : إنه لحقه بعدالة (٤) السفر ، فسأله الصحبة ، فلم يتمكن من كتمانه.
ولو كان بأمره لاحتمل أمورا :
منها : أنّه كان معه في بيت عائشة بحيث لا يخفى عليه شيء من أمره ، فلم يجد بدّا
__________________
(١) في النسخة : « عليهما ».
(٢) التوبة ٩ : ٤٠.
(٣) في النسخة : « بما صاحبته ».
(٤) كذا في النسخة ، ويحتمل أن يكون الصحيح : « يعدّ آلة السفر ».