فورّخ عبدالرحمن اليوم وافترقوا ، وحمّ القاسم يوم السابع من ورود الكتاب ، واشتدت به في ذلك اليوم العلة ، واستند في فراشه الى الحائط.
وكان ابنه الحسن بن القاسم مدمناً على شرب الخمر ، وكان متزوجاً الى أبي عبداللّه بن حمدون الهمداني ، وكان جالساً ورداؤه مستور على وجهه في ناحية من الدار ، وأبو حامد في ناحية ، وابو جعفر بن جحدر وانا وجماعة من اهل البلد نبكي.
إذ اتكى القاسم على يديه الى خلف وجعل يقول : يا محمّد ، يا علي ، يا حسن ، ياحسين ، يا موالي ، كونوا شفعائي الى اللّه عزّ وجلّ ، وقالها الثانية. وقالها الثالثة.
فلما بلغ في الثالثة يا موسى يا علي ، تفرقعت أجفان عينيه ، كما يفرقع الصبيان شقائق النعمان ، وانتفخت حدقته ، وجعل يمسح بكمه عينيه ، وخرج من عينيه شبيه بماء اللحم. مدّ طرفه الى ابنه ، فقال : ياحسن اليّ ، يا ابا حامد يا ابا علي اليّ.
فاجتمعنا حوله ونظرنا الى الحديقتين صحيحتين ، فقال له ابو حامد : تراني؟ وجعل يده على كل واحد منا.
وشاع الخبر في الناس والعامة ، وانتابه الناس من العوام ينظرون اليه ، وركب القاضي اليه ـ وهو ابو السائب عتبة بن عبداللّه المسعودي وهو قاضي القضاة ببغداد ـ.
فدخل عليه فقال له : يا ابا محمد! ما هذا الذي بيدي؟ وأراه خاتماً فصه فيروزج ، فقرّبه منه.
فقال : عليه ثلاثة اسطر. فتناوله القاسم رحمهالله ، فلم يمكنه قراءته وخرج الناس متعجبين يتحدثون بخبره.