وأمّا علّة ما وقع من الغيبة ، فإنَّ اللّه عزَّ وجلَّ يقول : (يا أيّها الّذينَ آمنُوا لا تَسئَلوا عَن أشياءَ إن تُبدَ لكُم تَسُؤكم) (٥). إنّه لم يكن لأحد من آبائي عليهمالسلام إلّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي (٦).
__________________
«فقد أقلنا من استقال» كناية عن ردّ الاموال ، وتشهد له كلمة : «ولا حاجة في صلة الشاكّين». (المختار من كلمات الامام المهدي عليهالسلام : ج ١ ص ٢٢٦).
(٤) فانهم حينما شكّوا في دين الله تعالى ، خرجوا عن زمرة المؤمنين. فان الايمان بالله لا يجتمع مع الشك في دين الله ، ومعلوم أن أموال غير المؤمنين لا تكون طيبةً حتى ينال الامام عليهالسلام منها شيئاً.
قال تعالى : (والطيّباتُ للطيّبينَ والطيّبونَ للطيّباتِ). (سورةالنور : الآية ٢٦).
(٥) سورة المائدة : الآية ١٠١ ، ويظهر وجه استشهاده عليهالسلام بهذه الآية المباركة من قوله بعد ذلك : «فاغلقوا باب السؤال عما لا يعينكم ، ولا تتكلفوا علم ما قد كُفيتم».
فان غيبة الامام المهدي عليهالسلام لها اسرار ومصالح واقعية لا يعرفها الانسان ، وقد لا يتحملها ، وقد كُفي معرفتها بعد أن عرف وآمن أن الله تعالى حكيم عليم ، لا يفعل شيئاً الا عن مصلحة وحكمة.
فيكون سؤاله عن العلة والحكمة في وقوع الغيبة سؤالاً عما لا يعنيه ، بل سؤالاً عما تسوءه وتُغمّه ، اذا كان ممن لا يتحمل المصالح الواقعية والاسرار الخفيّة.
وقد بيّن عليهالسلام بعض حِكَم الغيبة فيما يلي بقوله : «إنه لم يكن ...» الخ.
كما بين اجداده الكرام بعض الحكم الاخرى ، مما تتحمله العقول ويمكن اليه الوصول. فينبغي للانسان الكفّ عن سؤال ما لا يعنيه ، وعدم تكلّف ما حُجب عنه.
قال أمير المؤمنين عليهالسلام :
«ان الله فرض عليكم فرائض فلا تضيّعوها ، وحدَّ لكم حدوداً فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت لكم عن اشياء ولم يدعها نسياناً فلا تتكلفوها». (نهج البلاغة : كلمة الحكمة ١٠٢).
(٦) فان الإمام المهدي عليهالسلام بواسطة غيبته يكون مستغنياً عن التقيّة من حكّام عصره وظالمي زمانه.
فلا تكون في عنقه بيعة لأحدٍ منهم ولو اضطراراً وتقيّةً حتى يُلزم بالوفاء به. كم وقعت تلك البيعة الاجبارية لآباءه الطاهرين عليهمالسلام.
فان عهد دولة الامام المهدي عليهالسلام ، عهد ظهور الحق المطلق في جميع المجالات ، ومن المعلوم أنه لا تناسبه