قال : قلت : وكيف ذاك ؟ قال : « لأنّ الله تبارك وتعالى فرض الإِيمان على جوارح بني آدم ، وقسمه عليها وفرقه فيها ، فليس من جوارحه جارحة إلّا وقد وكلت من الإِيمان بغير ما وكلت به اختها ، فمنه قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم ، وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلّا عن رأيه وأمره ، ومنها عيناه اللتان يبصر بهما ، وأُذناه اللّتان يسمع بهما ، ويداه اللّتان يبطش بهما ، ورجلاه اللّتان يمشي بهما ، وفرجه الذي الباه من قبله ، ولسانه الذي ينطق به ، ورأسه الّذي فيه وجهه ، فليس من هذه جارحة إلّا وقد وكلت من الإِيمان بغير ما وكلت به أُختها ، بفرض من الله يشهد به الكتاب ، ففرض على القلب غير ما فرض على السّمع وفرض على السمع غير ما فرض على اللّسان ، وفرض على اللّسان غير ما فرض على العينين ، وفرض على العينين غير ما فرض على اليدين ، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرّجلين ، وفرض على الرّجلين غير ما فرض على الفرج ، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه ، فأمّا ما فرض على القلب من الإِيمان ، فالإِقرار والمعرفة والعقد والرّضا ، والتّسليم بأنّ الله تبارك وتعالى ، هو الواحد لا إله إلّا هو وحده لا شريك له (٢) ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، والإِقرار بما كان من عند الله من نبيّ أو كتاب ، فذلك ما فرض الله على القلب من الإِقرار والمعرفة ، فقال عزّ وجلّ : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ ) (٣) الآية ، وقال : ( أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ ) (٤) الآية ، وقال : ( الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ ) (٥) الآية ، [ وقال عزّ وجلّ : ( إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ ) (٦) ] (٧) وقال : ( إِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ ) (٨) الآية ، فذلك ما
____________________________
(٢) في المصدر زيادة : إلهاً واحداً أحداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً .
(٣) النحل ١٦ : ١٠٦ .
(٤) الرعد ١٣ : ٢٨ .
(٥) المائدة ٥ : ٤١ .
(٦) النساء ٤ : ١٤٩ .
(٧) أثبتناه من المصدر . |
(٨) البقرة ٢ : ٢٨٤ . |