والحجة النقلية هما المنطلق لتكوين علم الكلام ـ في مراحله الأولى ـ وقد إجتاحت يومئذ الساحة الفكرية صراعات عقائدية أفرزتها قوة السلطة لتبرير السياسات الحاكمة بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد مرّ بنا نماذج من تلك الإفرازات في حوارت ابن عباس مع عمر ، حين يرد على عمر بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أراد عليّاً للأمر من بعده ، فيرد عليه عمر : وماذا كان إذا أراد رسول الله شيئاً وأراد الله غيره ، فنفذ مراد الله ولم ينفذ مراد رسول الله. فهذه المقولة التي في الأساس جبرية المنشأ ، كما هي للتفريق بين إرادة الله وتخلف إرادة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عنها ، مضافاً إلى إختلافه معه في مسألة الخلافة بالنص أو بالإختيار؟ وقد مرّت شواهد ذلك فراجع ، وقد كان المعتزلة يرون فيه ناصراً لهم على المجّبرة.
قال الأستاذ علي سامي النشار :
( وينتقل المعتزلة إلى التكلم عن شخصية ابن عباس ، وكان لابد أيضاً أن يضعوه في سلسلة السند ، فهو مفسر القرآن الأوّل وحبر الأمّة ، وقد رأى المجبّرة بالشام يعلنون الجبر ، ويجدون التأييد والتعضيد من بني أمية ، ولكن ابن عباس لا يسكت كما سكت غيره ، فيرسل إلى هؤلاء القرآء أما بعد ... ) فذكر الكتاب الذي سيأتي ذكره في جملة كتبه.
والآن فلنقرأ ماذا عنه مع المجبّرة وهم أعوان السلطة ، والسلطة معهم.