وإزاحة الحق وإحلال الباطل ، هذه خصلة موجودة بين بني البشر غير مستنكرة ، فالله سبحانه خلق الإنسان منذ آدم وفيه خاصية الجدل ، والتعبير عن الذي يريده بما لا يريد أحياناً ، فقد يدعو بالخير دعاؤه بالشر ، لكن هذا ليس لأنه يرغب ويريد الشر ، إنّما لجهل فيه ، أو لعدم إعمال العقل بالشكل الأليق ، أو مثلما يقولون قد يترك الأولى ، أحياناً عن قصد ، وأحياناً عن غيره.
فقد يجتمع الناس على إمامهم ، ثم ينقلبون ، وتأخذهم نوازع الشياطين ولا يدرون بعد ذلك مصيرهم ، فيخطؤون ويسيئون لأنفسهم ، ومنهم من يتوب عن ذلك ، ومنهم من تأخذه الحمية ، حمية الجاهلية ، فيسقط في امتحان الخلاص ، ويدخل شرك الضلال.
ويوجد في كلام الإمام مثل هذا التعبير عندما يذكر الناس الذين اجمعوا على قتاله عليهالسلام مثلما أجمعوا على رسول الله صلىاللهعليهوآله
، لكن ثوب الإمامة الذي حباه الباري عزّ وجلّ به ينطق لسانه بقوله : « لا يزيدني كثرة الناس حولي عزّة ، ولا تفرّقهم عني وحشة » (١).
وقد آثر الناس مخالفة طبائع الحق ، ليس عن قصد في الغالب ، وإنّما عن عدم خضوع ، إمّا لكبر في النفوس ، وإمّا عن مراودة الشهوات ، ولو لم يكن ذلك لوجدنا الحق يجري فيهم مجرى التنفس
__________________
١ ـ أنظر بهذا الصدد : الخطبة (١٧٢) من ترتيب خطب نهج البلاغة.
٢ ـ أنظر : نهج البلاغة : كتاب ٣٦.