ولا يترك مطرحاً إلاّ وشغله بإلفاتهم إلى نور الله تعالى يقول : « والله ما أسمعكم الرسول شيئاً إلاّ وها أنا ذا اليوم مسمعكموه ... ولا شقت لهم الأبصار ، ولا جعلت لهم الأفئدة في ذلك الأوان ، وقد أعطيتم مثلها في هذا الزمان » (١).
لن يحتاج المتأمل في هذه الكلمات إلى مزيد تدبّر ، كي تنكشف عليه حقيقة ما يؤديه ، فعلي عليهالسلام الذي ما أقسم بالله إلاّ صادقاً ، يقول للناس : إنّ المسافة التي تفصلكم عن آبائكم الذين كانوا عندما بعث الله نبيّه صلىاللهعليهوآله يغرقون في متاهات الضلال ، ليست بمسافة بعيدة ، « ما أنتم اليوم من يوم كنتم في أصلابهم ببعيد » (٢) ، وأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قام فيهم ، فأزاح عنهم ظلمة الضلال ، وأضاء قلوبهم بنور ربّه وكلماته ، وانني الآن أقوم فيكم ذات المقام ، وأودي رسالته ، اسمعكم ما أسمع النبيّ آباءكم ، وأكشف عن بصائركم.
والذي يجرؤ على قول كهذا ، لا يسعه أن يكون مدّعياً ، وهو على رأس أمم من صحابة نبيّ الله صلىاللهعليهوآله! كذلك لا يسع المدّعي أن ينفرد بإتيان الناس مذكّراً ما كان عليه آباؤهم من جاهلية ، ومنفراً إلى الله ورسوله بمثل ما نقرأ عن عليّ عليهالسلام.
لكن الإمام هنا ، يؤكّد الإشارة إلى أنّه حامل راية الحق ، التي
__________________
١ ـ نهج البلاغة : خطبة ٨٨.
٢ ـ المصدر نفسه.