يحسن أن يبحث القارىء في أطراف الكتب عن سيرة علي عليهالسلام ، فهو بحاجة إلى اجراء مطابقات ، حول هل كان كلامه مطابقاً لحقيقته ، أم أنّه كان يعظ ولا يتّعظ ، فِعْلَ من قال شيئاً وأتى بخلافه ، لأنّ الكثير من الناس يقولون ما لا يفعلون ، والكثير من الناس يتخذون الدين مطية ، والمعرفة وسيلة ، يرغبون أن تحقق لهم الأمجاد ، وتقودهم إلى زعامة العباد ، والحق أن الانتباه إلى سيرته قد أخذ به الكثير من الكتاب ، من مظانة في كتب التاريخ والأحداث والرجال والتراجم الخ ...
إنما الذي نحن بصدده هو الوصول إلى هديه بهديه ، لا بما قيل عنه وفيه ، بذلك تتحقق غاية من ورائها رغبة في أن يكشف الله لنا عن بصائر ، إدْلهمَّ عليها الخطب ، ونالت منها عاديات الأيام ، فكان أن عبث ببعض تلقينها للناس ، إلى أن صارت المقارنة بين الإمام الهادي ، والزعيم الجائر أحياناً ، لا تفترق إلاّ في ما يقال : إن هذا ألين من ذاك ، أو هذا أشد وطأة من ذاك ، مع سعة الفارق بينهما ، واختلاف الغاية من وجودهما.
وفي متابعة هذا التبيان حول الدنيا ـ والدنيا هنا هي ذاك المكان الذي يشغل قلب الإنسان ، ويخفي خلف لذائذه أسوأ النهايات ـ يقول :
« فإن الدنيا رنقٌ مشربها ، ردغٌ مشرعها (١) ، يونق منظرها ، ويوبق
__________________
١ ـ رنق مشربها وردغ مشرعها : أي ماءها كدر كثير الطين.