مخبرها ، غرور حائل ، وضوء آفل ، وظل زائل ، وسناد مائل ، حتى إذا أنس نافرها ، واطمأن ناكرها ، قمصت بأرجلها ، وقنصت بأحبالها ، واقصدت باسهمها ، وأعلقت المرء أوهاق المنية ، قائدةً له إلى ضنك المضجع ، ووحشة المرجع » (١).
ينتقي الإمام للناس كلمات تعبّر لهم على المقدار الذي أوتوه ، عن الحال في واقعها وأوهامها ، عن الحياة نقصد ، وفيما تصير إليه ، فمن أمسك بحبال الدنيا خديعته وجرى استرقاقه ، وهو من موقع دوره كهاد ، ينطق بواجب تخليص الإنسان من مغبّة الاندحار إلى بئس المصير ، وهذا لا يكون إلاّ لمن يخاف على المخلوقات من نهايات ليست محل سعاداتها.
الدور الذي تلعبه مواعظ وتعليمات الإمام ، ليس له أي منحىً دنيوي في الواقع ، فهو يروض أنفس البشر ، من أجل بلوغها دار المستقر ، وهذه غاية الرسل والأنبياء وهو الدور الذي أتى به القرآن الكريم.
فإن الله سبحانه في كتابه يرسخ فكرة استبعاد الاستئناس لهذه الحياة الدنيا ، ويوجه أنظار الإنسان وقلبه إلى حياة يخلد فيها ، هي سعادته إن كان من السعداء وشقاؤه إن كان من الأشقياء.
وهنا أيضاً نقف على حقيقة أخرى من حقائق معرفة الإمام ، وهي
__________________
١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ٨٢.