أنه لا يصدر عنه بالنسبة للناس عموماً ، إلاّ ما ينفرهم من الركون إلى ما يخدع أمانيهم ، ويقودهم بهديه إلى حقيقة ما تصبوا إليه نفوسهم ، وإن كانت هذه النفوس غير ملتفتة دائماً ، وغير متذكرة دائماً الأمر الذي هو بُلغتها ومنتهاها.
وباعتبار أن دار الدنيا فيها الزينة ـ والزينة هي الأشياء التي تضاف من أجل أن يختفي اللّباب ، وتظهر بدائله ـ أي أنها ليست عين الحقيقة ، وكلما ازداد المرء قرباً منها ازدادت ايغالا في الابتعاد عن حقيقتها ، فنال الانخداع بظاهرها.
والذي يقود إلى هذا ، هو إلحاح الأنبياء والرسل والأئمة ، كما والكتب السماوية على تطهير النفس من خداعها ، والالتفات إلى صفاء السرائر ، حتى يتمكن الهدى من طرق باب الفؤاد.
وهنا نجد كلام الإمام يهز في عمق الوجدان عن مكمن الفطرة ، وإيقاظاً للعقل كي يدرك كيف أن التزود لحياة هي البقاء ، هو جوهر انبثاق الإنسان إلى هذه الأرض وهذه الحياة ، يقول :
« تجهزوا ـ رحمكم الله ـ فقد نودي فيكم بالرحيل ، وأقلوا العرجة على الدنيا ، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد ، فإن أمامكم عقبة كؤوداً ومنازل مخوفة مهولة ، لابدّ من الورود عليها ، والوقوف عندها فقطعوا علائق الدنيا ، واستظهروا بزاد التقوى » (١).
__________________
١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ٢٠٤.