لماذا يجب أن تخرج القلوب من الدنيا يا أمير المؤمنين؟ يقول : لأنّها مكمن الاختبار الذي ابتليتم به ، وإنما أنتم مخلوقون لغيرها.
ننظر هنا قوله : « ففيها اختبرتم ، ولغيرها خلقتم ».
ما الذي بقي كي يقدم الإمام مفاتيح الرحمة ، ويسحب الناس إلى مدارك النور ، لعل الذي بقي هو أن ننظر إليه كيف يشير إلى خاصته وأهله في عدم امساكهم بحبائل الدنيا ، ونلاحظ ، أنه يخاطب الحسن عليهالسلام ابنه مع أنه إمام ، وهو كعلي عليهالسلام ، يستمد من رسول الله صلىاللهعليهوآله نور المعرفة ، ويسير على هدى كلماته ، ليس تعلماً بعد نقص ، وإنما مجانبة لعظيم الحكمة والفضل ، فالزمن لم يكن ليفصل كثيراً بينه وبين جدّه ، إنما أبيه عليهالسلام يعظه ليُسمع كل ذي لبّ سليم أو مريض ، فلا يقال ترك أهله والتفت إلى الآخرين ، مع أنه القائل في نفسه وفيهم : « بنا اهتديتم في الظلماء ، وتسنمتم ذروة العلياء ، وبنا انفجرتم (١) عن السّرار » (٢).
فإذا كان خطابه يتّجه نحو ولده ، فإنه بما أوتي من ولايته على الناس ، وهي سمه خصّه بها رسول الله صلىاللهعليهوآله في مواقف عديدة ، منها قوله صلىاللهعليهوآله : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه » (٣).
__________________
١ ـ انفجرتم : دخلتم في الفجر ، أي كنت قبل في ظلام : وصرتم إلى ضياء ساطع بهدايتنا.
٢ ـ نهج البلاغة : الخطبة ٤.
٣ ـ أدرجنا مصدر هذا الحديث في مكان آخر.