والقول بعد هذا هو شيء من الضرب في الظلمة ، لأن الإمام الذي يريق عمره لا من أجل نفسه ، إنما قد ذرفها في الله تعالى ، يقوم في الناس عالماً أنّهم سيخوضون في صراع معه وعليه ، فقد يشتبه على ذي اللب أحياناً الحق ، فكيف بمن قد أغفلت الظلمة لبه ، بهذا نجده عندما يحاكي الإمام الحسن عليهالسلام ، ينظر إلى كل امرئ في هذه الأرض على أنه الحسن ، ليست بدعة هذه ، بل هي عين الحق ، تظهر عند قوله :
« يا بني إني قد أنبأتك عن الدنيا وحالها ، وزوالها وانتقالها ، وأنبأتك عن الآخرة وما أعد لأهلها فيها ، وضربت لك فيهما الأمثال ، لتعتبر بها » (١).
ننظر إلى كلماته هنا ، فلا نجد أنه يفرّق في خطابه بين ولده وبين كافة أبناء الناس ، فهو في كل مكان أنبأ الناس عن الدنيا وحالها ، لم يخصص أحداً ، وواضح هنا أنه لا يغاير دوره وطبيعته ، فإذا كان قد أنبأه عن الآخرة ، فإنه لم يخفها عن بقية البشر ، وفي كل سانحة آثر فيها الكلام على الصمت ، وسوف تجد ضياءه يشع بنور وحي الله تعالى ، مع أهله ومع سواهم.
وما تزال الدنيا ترتسم في أعين الناس حسنة جميلة ، وهو يزيح عن أعينهم غشاوات خداعها ، ترى ما الغاية التي آثر من ورائها أن
__________________
١ ـ نهج البلاغة : كتاب ٣١.