أمّا مخالفته ، فإنّها تدخل في باب مخالفة الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، الأمر الذي يلزم عنه بالضرورة شعور الإنسان بالضنك وقسوة العيش ، لأنّ الإعراض عن الفطرة الإلهية والإعراض عن سبيل الله هو الذي يورث المشقّة ، وهو الذي يجعل الإنسان يتخبط على غير هدى.
وليس المقصود بضنك العيش هنا : الاحتياج والفقر ، أو الشعور بالظلم وما شابه ذلك ، إنّما المقصود هو اغتراب النفس وابتعادها عن راحتها وطمأنينتها بالدرجة الأولى! فكم من موسر ، وكم من جبار ، وكم وكم من أولئك الذين يتصور الناس أنهم بلغوا رتبة السعادة في الحياة الدنيا ، تجدهم في حقيقة أمرهم يعانون من آلام القلق والاضطراب ، وعدم الاستقرار والسكينة.
ويجد المتابع للمنهج القرآني أنّ ذروة الدعوة لديه منصّبة على إخراج هذا الكائن البشري من مثل هكذا ضنك ، والدفع به نحو مدارج السعادة ، لكن هذا لا يتحقق بحسب الطرح الديني على أساس حلّ المشكلات الحياتية اليومية كما يتصور البعض ، وإن كانت الراحة شي حاسم في هذه الحلول ، وإنّما يتحقق على أساس فكّ رموز الوجود والتعرّف على معناه ، الأمر الذي يوطّد لمعرفة الغاية من ورائه ، وعند هذه المعرفة بالذات تستوي اللذائذ الدنيوية مع الآلام ، لتشكّلان بالنسبة للعارف بهذه الحقيقة بُعداً مادياً ليس هو