تبلغ قيمة هذه التراكمات الاعتبارية أن تصبح جملة من النظم والقوانين والمفاهيم ، وربما العادات التي تصير في معظم الأحيان إلى المكان المقدس الذي يصعب على النفس تنقية أطرافها منها ، لصعوبة اختراقها بعد وصولها إلى هذه المرتبة من القداسة.
لهذا نجد أنّ القرآن الكريم لا يلمح بإشارات عابرة إلى مثل هذه الظاهرة ، وإنّما يتحدث عن معتقدات اختلقها الناس اختلاقاً ما أنزل الله بها من سلطان ، ثم راحت الأجيال تتوارثها كابراً عن كابر ، سواء كانت من ذلك الذي يتوافق مع أهوائهم أم تلك التي تخالفها.
وفي نظر الإسلام بملاحظة الموقف القرآني من هذا المشهد ، فإنه يشكل أكبر العوائق التي تقطع الطريق على الصفاء الذي يقود نحو منازل رفيعة يطلبها ، بل يرجوها الأنبياء للناس ، ومثالاً لنا على ذلك : قوله تعالى ( حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ) (١) ، وهو على لسان أولئك الذين صنع لهم آباؤهم من خلال مواءماتهم مع متطلبات ورغائب تلزمهم في سير أو منحى معين ، صنعوا لهم قيماً وأنظمة بلغت مراتب اعتقدوا أنها هي الدين الذي لا ينبغي الحيد عنه ، أو الافتراق منه ، فلم يمكنهم هذا الإدراك من تجاوزها أو صياغة تحوير آخر لها يساعدهم على السير باتجاه مناطق أخرى من الفكر ، تخوّلهم الاستجابة لما هو أكثر موضوعية وعلمية منه.
__________________
١ ـ المائدة : ١٠٤.