هذا المقطع من الملحمة البابلية ، يرجع بطلها جلجامش إلى ٢٦٥٠ ق. م. وهي تحمل بين أوراقها أفكاراً سومرية وأخرى أكثر قدماً ، تعبر بمجموعها عن تعلق الإنسان بمن هو كامل ، بالذي يتصف بصفات لا تملكها إلاّ آلهة بحسب مفاهيمهم ، منها المعرفة الشمولية ( رأى كل شيء ) ، أي عدم غياب شيء مهما صغر أو كبر عن ملكاته ، عن بصيرته ، وهو الذي ( عرف جميع الأشياء ) لأنه حكيم عارف مبصر لا تخفى عليه حتى الأسرار وما يكتم عن الناس ، وهذا يذكّرنا بخطبة للإمام علي عليهالسلام وهو يعظ الغافلين ويصوّر لهم حالهم في غفلتهم ، ويشير إلى أنّه يعلم ويعرف خفاياهم ، وأكثر من ذلك يقول عليهالسلام : « والله لو شئت أن اخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت » (٢).
ونحن هنا لا نجري موازنة بين النص البابلي وبين خطبة الإمام عليّ عليهالسلام ، وإنّما نريد أن نشير إلى أنّ ( المثال ) بالنسبة للبشر العاديين هو المخاطب ـ بفتح الطاء ـ ، وإنّما الإمام ( المثال ) مع تحققه وعيانيته فإنّه هو المخاطب ـ بكسر الطاء ـ وهذا التشابه بين النصين ، واحد يُكتب عن الرمز الذي يرجو فيه الإنسان العادي كماله ، والآخر ينطق به الإنسان الكامل ذاته.
ـ فعند ( جلجامش ) يقول الراوي عن رمزه : « هو الحكيم العارف
__________________
١ ـ أنظر : نهج البلاغة : الخطبة ١٧٥.