وقد يقال ـ في تقريب أخذها بمعنى الأحكام الفعليّة ـ : أنّ الأحكام الواقعيّة ليست إلاّ امورا تعليقيّة وقضايا شأنيّة وإطلاق الحكم عليها مبنيّ على ضرب من المسامحة ، لظهوره في الأمر الفعلي ، من حيث إنّه عند التحقيق عبارة عن النسبة الّتي هي الربط الحاصل بين المكلّف وفعله ، والمأخوذ في القضيّة الشأنيّة ليس بحاصل فعلا بل هو في قوّة الحصول ، فالمتعيّن حملها [ على ] (١) الفعليّة لأنّها النسب الّتي تتعلّق بالمكلّف فعلا بانعقاد شروطه ، ومن اثاره وجوب بناء العمل عليها ، وما قرّرناه أولى. وإذا أخذ « الأحكام » بمعنى الأحكام الفعليّة فلا صارف معه للعلم عن مسمّاه الحقيقي ، لأنّ الأحكام الفعليّة بأسرها معلومات للفقيه ، وهو عالم بها مطلقا.
لا يقال : أخذ « الأحكام » بمعنى الأحكام الفعليّة لا يجدي نفعا في تصحيح رجوع الظرف إلى العلم ، لأنّ العلم بالأحكام الفعليّة إنّما من دليل إجمالي مطّرد في جميع المسائل ، وهو قولنا : « هذا ما أدّى إليه اجتهادي ، وكلّ ما أدّى إليه اجتهادي فهو حكم الله في حقّي وحقّ مقلّدي » لا عن الأدلّة التفصيليّة ، لأنّ كلاّ من المقدّمتين مأخوذة من الأدلّة التفصيليّة.
أمّا المقدّمة الاولى ؛ فلأنّ الفقيه في كلّ مسألة ترد عليه ، يعلم بالضرورة أنّ له ولمقلّده في هذه المسألة حكما فعليّا لا محالة ، فيجتهد في طلبه وإذا أدّى نظره بواسطة دليل علمي أو ظنّي إلى العلم أو إلى الظنّ بحكم ، أو بواسطة فقد الدليل بكلا قسميه إلى مؤدّى أصل من الاصول العمليّة ، يحرز عنده مقدّمة : أنّ هذا ما أدّى إليه اجتهادي بعنوان القطع.
وأمّا المقدّمة الثانية ؛ فلأنّ مدركها ليس بخارج عن الأدلّة التفصيليّة الّتي هي الكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، وحيث إنّ مقدّمتي هذا الدليل تستندان إلى الأدلّة التفصيليّة ، استند إليها العلم بالأحكام الفعليّة أيضا ، لأنّه مفهوم كلّي منتزع عن النتائج من مقدّمتي هذا الدليل.
__________________
(١) زيادة يقتضيها السياق.