المخاطبون ، لتطرّق التغيير إلى الحقائق بالنقل والهجر وإلى المجازات وقرائنها بالوجود والاختفاء أو بالجلاء والخفاء.
وبذلك كلّه ربّما يختلّ فهم المراد ، فيفهم المتأخّرون من الخطاب خلاف ما فهمه المخاطبون بزعم أنّه المراد ، وليس بمراد في نفس الأمر.
أقول : والحقّ عدم الفرق في حجّيّة الظواهر كتابا وسنّة بين المخاطب المقصود إفهامه وغيره الّذي لم يقصد إفهامه ، حضر في مجلس الخطاب أو لا ، كان موجودا في زمنه أو لا ، فهي بالنسبة إلى الكلّ معلوم الحجّيّة بالخصوص لاتّحاد الطريق وعدم الفرق في الدليل ، فإنّ الأدلّة العلميّة القائمة بحجّيّة الظواهر ، من بناء العرف وطريقة العقلاء وإجماع العلماء موجودة بالنسبة إلى الفريقين ، ولذا ترى أنّ أهل العرف والعقلاء والعلماء من جميع الملل والأديان ، في جميع الأصقاع والأزمان يستفيدون المطالب من المكاتبات المكتوبة إلى من عداهم ، والمراسلات المرسولة إلى من سواهم ، نحو ما يستفيدها المخاطب المرسول إليه والمقصود إفهامه المكتوب إليه بلا نكير ولا تعقّل فرق.
وتوهّم أنّ المكاتبات والمراسلات من قبيل تأليف المؤلّفين وتصنيف المصنّفين المقصود بقاؤه أبد الدهر ليستفيد الناظرون فيها المطالب ، يكذّبها الوجدان وضرورة العيان القاضيين بالخلاف.
نعم إنّما يسلّم ذلك في الوصايا والقبالجات وما أشبهها.
وبما بيّناه يندفع ما ذكره من اختلاف الفهم باختلاف الزمان ، فإنّ ذلك لا يمنع من حجّيّة أصل الظهور المحرز بالاصول اللفظيّة الّتي منها الاصول العدميّة ، كأصالة عدم النقل والهجر ، وأصالة عدم القرينة ، وأصالة عدم الالتفات إلى القرينة الموجودة ، وما أشبه ذلك ، ومعنى الحجّيّة وجوب الأخذ بها في استفادة المطالب منها على أنّها المرادات ، فوجب ترتيب آثار المراد عليها ما لم ينكشف الخلاف ، وحيث انكشف تبيّن الخطأ في إحراز الظهور ، وهو ليس بضائر في حجّيّة أصل الظهور.
وبالجملة : فإنّا نرى العقلاء مطبقين في المراسلات والمكاتبات على أخذ مطالب من أرسلها ومقاصده واستكشاف عقائده ، من غير مراعاة كونهم مقصودين بالإفهام وعدمه ، بل لو فرضنا أنّ أحدا يمنع من أن يستفيد المطلب وهو ليس ممّن قصد إفهامه من الاستفادة ، تعليلا بعدم القصد إلى إفهامه كان مذموما عندهم.